جملة وزير الخدمة المدنية الشهيرة والمعبرة جدا (لا تتجمعون مثل الحريم).. قالها وسارت بها الركبان، أنا شخصيا أعتقد أنه لم يقصد منها إهانة الحريم (لا سمح الله) وإنما قصد إعلاء شأن الرجال، فهم أعلى من أن يقوموا بسلوك مشابه لسلوك الحريم، لكنه من حيث يقصد أو لا يقصد، أعاد بجملته هذه الحريم إلى نقطة الصفر التي غادروها منذ زمن، وكان الحصاد آنيا بعد إعلان المهندسين استياءهم من هذا التشبيه المعيب، وتلاشت في دقائق سنوات طويلة من كفاح المرأة وتظلمها واستيائها من تحقيرها والتعامل معها بدونية من قبل الرجال مع مجتمع ذكوري (بوضع اليد) وليس بالفاعلية ولا كثرة العدد، حيث بدأت هذه المرأة بالتحرك قليلا من مربعها (الهامش) والاتجاه نحو الأفضل، وبدأت تختفي نوعا ما الجملة الاعتراضية المقصود منها تكريم السامعين عند ورود اسم المرأة (أكرمكم الله) في حديث ما، وبدأت المرأة تستعيد ثقتها بنفسها شيئا فشيئا، وتعلن صراحة رفضها للقب حرمة وتطلب استبداله بلفظ لائق، وظهرت حالات التمرد على واقع المرأة البائس هنا وهناك، فشكوى ترفعها امرأة ضد وليها لعضلها وأخرى على زوجها تطلب الخلع منه لسوء خلقه، وكانت تكتفي سابقا رحمها الله (بالصبر والاحتساب).. ووصلت المرأة إلى ديوان المظالم ومقاضاة جهات ودوائر رسمية من أجل حقوقها المهدورة.

إلا أنها اليوم أقصد (الحرمة) عادت لتصبح (سبّة) متداولة يقذف بها سيىء الحظ.

وبما أننا غالبا ما نجد أحدث المسبّات والإهانات اللفظية عند بعض المعلمين والمعلمات، كتعويض منطقي (يبرّد القلب) إذا استعصى (التفشش) في الطلاب بالعصا. فإن طلاب (وليس طالبات) المرحلتين المتوسطة والثانوية، بدأوا يواجهون هذه الإهانة (من وجهة نظرهم) دائما من قبل معلميهم، "لا تصيرون أغبيا مثل الحريم، لا تصيرون متخلفين مثل الحريم، لا تصيرون مهبّل مثل الحريم". أبنائي الطلاب غير معنيين بكونهم أغبياء أو متخلفين أو مهبل، لكنهم خائفون إلى حد الذعر من أن يكون غباؤهم وتخلفهم وهبالهم يشبه (مثل) غباء وتخلف وهبال الحريم، كما يخشون أن تعتمد التربية مصطلح (الحريم) كمسبة رسمية تعمم على كل مدارسها. فأتمنى من القائمين على التعليم النظر إلى مخاوف هؤلاء بعين الاهتمام والإنصاف.