صدر في بدايات عام 1427هـ المرسوم الملكي بنظام الهيئة العامة للولاية على أموال القاصرين ومن في حكمهم، والمتضمن إنشاء هيئة عامة مستقلة ومرتبطة بوزير العدل. وأعطيت هذه الهيئة صلاحيات جيدة لأجل الحفاظ على أموال القاصرين ومن في حكمهم ولأجل تنميتها واستثمارها. وقد أوكل هذا النظامُ الهيئة بالوصاية على أموال القُصّر من الأطفال الصغار والأحمال -الذين كثيراً ما يكونون من اليتامى الضعفاء-، كما أوكل إليها القوامة على أموال ناقصي الأهلية كفاقدي العقل، وكذا إدارة أموال من لا وارث له، وغيرهم ممن لديه مالٌ يحتاج إلى من يحفظه.

هذا النظام مع تأخّره كثيراً، -حيث على سبيل المثال؛ فإن صدور أول نظام متعلق بالموضوع في الكويت كان عام 1974م أي قبل صدور نظام الهيئة باثنتين وثلاثين سنة، ثم عُدِّل في نظام الهيئة العامة لشؤون القُصّر في 1983م-، إلا أننا وللأسف لم نرَ منه أي شيء على أرض الواقع حتى الآن، فقد مضت أكثر من خمس سنوات ولم يتم حتى تشكيل مجلس الهيئة! ولم تُنفِّذ وزارة العدل التعليمات الأخرى التي جاءت في النظام والتي لا تتعلق بشؤون الهيئة الإدارية. حيث كان من الواجب على الأقل تفعيل التعليمات المتضمَّنة في النظام، والتي تتعلق بأحكام الأوصياء والأولياء والقيِّمين ونحوهم، كحل مؤقت إلى حين تشكيل الهيئة، حيث بالإمكان تفعيل ما أمكن من تلك المواد من خلال المحاكم، والتي قد تحقق الحد الأدنى من حفظ أموال أولئك المحتاجين لمن يساعدهم، إلا أن أياً من ذلك لم يحصل وللأسف!

لا شك لديّ أن الوزارة حريصة على كل ذلك، لكن الحقيقة أن هذا التأخر في تفعيل النظام قد يدفع البعض -ربما- إلى أن يُشكك في اهتمام الوزارة بمثل هذه الأمور الحقوقية وفي مدى أولويتها لدى الوزارة المسؤولة عن العدل وحفظ حقوق الناس، بالرغم من صدور المرسوم الملكي بذلك! وبالرغم من أن تفعيل النظام سوف يُسهم كثيراً في تطوير الأجهزة العدلية ويرفع من مستوى فاعليتها، كما أنه سوف يُقلِّص بالتأكيد عدد القضايا اليومية التي تُثقل كاهل المشايخ القضاة بشكل يومي.

وبقراءة نص النظام؛ نجد أن أغلب مواد النظام (24 من بين 41 مادة تقريباً) كانت عن تنظيم الهيئة وإدارتها وصلاحياتها وواجباتها، مما يجعل تشكيل الهيئة في غاية الأهمية. وربما لو كان هناك فصل بين نظام الهيئة ونظام الولاية على الأموال، لكان العمل مركّزاً أكثر على كلا الأمرين، مثل ما عُمل في نظام إحدى الدول المجاورة، حيث يوجد لديها قانون خاص بالولاية على أموال القاصرين، لا يتعرض إلى عمل الهيئة، ويشتمل على إحدى وخمسين مادة، جميعها تنظم حقوق القاصرين والواجبات والالتزمات على الأوصياء والأولياء والقيّمين وما أشبه ذلك.

قد يكون مناسباً أن نستطرد قليلاً في أن مما يُميّز نظام تلك الدولة؛ أنه وضع عقوبة قاسية على من امتنع عن تسليم الأموال من ولي أو وصي أو قيِّم أو وكيل انتهت نيابته بشكل محدّد، بينما نجد النظام السعودي قد وضع عقوبة (في المادة 34) إلا أنها عامة في كل ما يخالف النظام، وهذا يضعف تلك العقوبة بلا شك ويجعلها فضفاضة. بالإضافة إلى أنها حددت السجن مثلاً بما لا يزيد عن 30 يوماً في كل ما يخالف النظام، مع أن من مخالفاته البيع غير القانوني لممتلكات قد تساوي مئات الملايين مما يستوجب السجن لأكثر من ذلك بكثير، بينما في نظام تلك الدولة حددها بما لا يزيد عن سنة، وهذا في من يمتنع عن تسليم الأموال فقط، وليس في كل شيء، وفرْق كبير بين مدلول هذا وذاك.

وعلى كل حال؛ هذا لا يُنقص نظام الهيئة قيمته وفائدته، فهو بلا شك بداية مهمة، واهتمام وإدراك من ولاة الأمر وفقهم الله، ونتمنى أن يجد النور بالتطبيق قريباً.

هذا التأخر من الجهات التنفيذية، يدفع بنا إلى القول بأننا كثيراً ما نسمع مواعظ وخطباً في حقوق القاصرين من الأطفال واليتامى أو الورثة بشكل عام أو النساء، إلا أننا لا نرى من يدفع ويشارك بإيجاد حل ذي جدوى من خلال التطبيق على الواقع، ولا نلمس تحوّلاً فكرياً ظاهراً نحو ثقافة التنظيم أو التقنين كحل جذري للمشاكل، هذه الثقافة التي لطالما كانت محاربة نظراً لسوء الفهم في مرحلة من المراحل، مما جعلنا ندفع الثمن طيلة هذه السنوات.

حيث إن من مُدركات الـحضارة الحديثة؛ أن وضع الأنظمة وصياغتها بشكل واضح ودقيق، وبشكل شامل لكل ما يتعلق بالموضوع الذي وُضع النظام لأجله، يجعل معالجة المشكلات أسهل وأكثر فاعلية من كثير الكلام في الخطب والمواعظ، والله الموفق.