اليوم، وفي مثل هذه الظروف الاستثنائية المضطربة، والتحولات والتغيرات الخطيرة التي لم يشهد لها العالم ـ لاسيما العالم العربي ـ مثيلاً، تحل الذكرى السادسة لمبايعة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود ملكاً للبلاد، فمنذ 6 سنوات، وتحديداً في الأول من أغسطس عام 2005م، بويع خادم الحرمين الشريفين، ومذاك وهو يتبنى برنامجاً إصلاحياً كبيراً يتضمن العديد من المشاريع والمبادرات التنموية والتطويرية تطال كافة المجالات والقطاعات، وفي أكثر من صعيد واتجاه. وقد كانت البداية، الانفتاح على الداخل وذلك من خلال إنشاء "مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني"، وهو صرح حضاري رائع أسهم ومازال في إشاعة ثقافة الحوار والرأي والرأي الآخر بين مختلف أطياف ونخب ومكونات المجتمع السعودي الذي يتمتع بثراء وتنوع وتعدد ثقافي وفكري واجتماعي وتراثي وطائفي قل أن تجد له مثيلاً في العالم، وهذا المركز الرائع يُعد لبنة ذكية وطموحة لبناء جسد وطني سليم معافى. ثم جاءت الحلقة الثانية من مسلسل الانفتاح الوطني الذي انتهجه خادم الحرمين الشريفين، هذه المرة نحو الآخر، مهما كان هذا الآخر، الانفتاح على الآخر المختلف دينياً وقومياً وفكرياً وسياسياً واجتماعياً، والمبادرة الفريدة المتمثلة بـ "حوار الأديان والثقافات والحضارات"، التي أسست لمبدأ القبول والاعتراف والانسجام مع الآخر. وقد أسهمت هذا النظرة الحكيمة والرؤية الثاقبة من هذا القائد الكبير، سواء في الالتقاء في الداخل، أو الانفتاح على الخارج، في وضع المملكة العربية السعودية في المكان الذي يليق بها كواحدة من الدول المهمة والمؤثرة في العالم، إضافة إلى بروزها الواضح على الساحة الدولية، ولم تكن دعوة المملكة للانضمام لمجموعة الدول الـ 20، التي تتحكم في مسار الاقتصاد العالمي، إلا تتويجاً لذلك النهج الحكيم الذي يتبناه خادم الحرمين الشريفين منذ توليه الحكم، بل وقبل ذلك بكثير.

والمراقب لواقع المملكة العربية السعودية خلال السنوات القليلة الماضية، يُسجل الكثير الكثير من الإنجازات الهائلة والتطورات الطموحة التي طالت كل الجوانب السياسية والثقافية والتعليمية والاقتصادية والإعلامية والاجتماعية والإنسانية، ومحاولة رصد هذه الإنجازات والتطورات أمر في غاية الصعوبة، لكثرتها وضخامتها وتنوعها. فمثلاً، شهد قطاع التعليم بمختلف مراحله ومستوياته نقلة نوعية لا مثيل لها على الإطلاق، كإنشاء جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية "KAUST"، التي تُعد من أحدث الجامعات العالمية المتخصصة، ويدرس بها الكثير من طلاب الدراسات العليا من مختلف دول العالم، أيضاً هناك تزايد كبير ومستمر في أعداد المبتعثين والمبتعثات للدراسة في أرقى الجامعات العالمية ضمن برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي، حيث يصل عددهم إلى أكثر من 120 ألف مبتعث ومبتعثة، كما تضاعف عدد الجامعات الوطنية التي تنتشر في كل أنحاء هذا الوطن الكبير، وفي دلالة واضحة على الاهتمام الكبير الذي يحظى به التعليم في المملكة، فقد تضاعف التمويل المخصص للتعليم العالي إلى ثلاثة أضعاف خلال هذا العهد الميمون، حيث بلغت نسبته 12% من الميزانية العامة للدولة. والأمر كذلك، ينطبق على الكثير من القطاعات والمجالات كالإسكان والصحة والاقتصاد والإعلام والقضاء والعمل والأجور، وأصداء القرارات السامية الكثيرة مازالت تُبشر بعهد جديد من العطاء والرخاء والأمل، عهد زاخر ينتظر هذا الوطن الرائع، عهد يقوده "عبدالله"، هذا الإنسان الكبير، بل هذا الأب الحاني على كل أبنائه وبناته على امتداد هذا الوطن الكبير.

ما أجمل هذا اليوم، يوم البيعة والوفاء. وفي مثل هذه المناسبات الخالدة من عمر الأوطان، تجد الشعوب والمجتمعات فرصة سانحة للتعبير عن حبها وولائها وانتمائها، ولكن ليس بالكلمات والأغاني واللافتات والاحتفالات، رغم أن كل تلك المشاعر الفياضة تُعتبر انعكاساً للفرحة والفخر بمناسبات الوطن، ولكن الأهم من كل ذلك، هو غرس المفاهيم والمبادئ الوطنية في نفوس أبناء هذا الوطن، وتكريس ثقافة الانتماء الفاعل لهذا التراب العزيز، وتعزيز الوحدة الوطنية بين كل مكونات وأطياف المجتمع، وتنمية الشعور بالمسؤولية الاجتماعية تجاه كل التفاصيل الوطنية، والبعد كل البعد عن كل ما يُسبب الفرقة والتشرذم والاحتقان، ونبذ كل حالات التعصب والازدراء والتمييز، ومحاربة كل لغات الكراهية والتهميش والأنانية.

لسنا أمة فاضلة أو مجتمعا ملائكيا، لسنا كذلك، ولا يوجد على وجه هذه الأرض من يدعي ذلك، فلتكن هذه المناسبة الغالية محرضاً وحافزاً لنا جميعاً للمضي في ذلك الاتجاه، نحو مبادئ العدل والحرية والمساواة والفضيلة والانتماء والاحترام.