ناقشت منذ أسبوعين على صفحات هذه الصحيفة الغراء سلوك البعوضة إيدس إجبتاي Aedes aegypti الناقلة لفيروسات وباء حمى الضنك، وهذا الموضوع قد أشبعته نقاشا منذ حوالي عامين مع القائمين على مقاومة هذه البعوضة اللعينة في أمانة مدينة جدة، خاصة الشباب الذين جابوا ويجوبون شوارع جدة في مطاردة بعوضة حمى الضنك، بكل ما آتاهم الله من قوة، ولكن للأسف الشديد كان ينقص هؤلاء الشباب الخبرة العلمية في محاربة هذه البعوضة اللعينة، خاصة معرفة معطيات الوسط البيئي الذي تعيش فيه هذه البعوضة، والذي من خلاله يمكن معرفة جميع ملامح سلوك هذه البعوضة، مثل سلوكها الغذائي، وسلوكها التزاوجي وفترات نشاطها خلال اليوم الواحد، وهذا أمر يسير من الممكن سرده و تلخيصه في كتاب عدد صفحاته لا يتجاوز عدد أصابع الكف، وأنا إن شاء الله سوف أقوم بهذه المهمة قريبا على نفقتي الخاصة، إذا سمح لي المسؤولون بذلك، فالسلوك كما يعرفه خبراء علم السلوك أنه استجابة الكائن الحي للمتغيرات في الوسط البيئي الذي يعيش فيه، وهنا أوجه نصيحة لأمانة مدينة جدة يجب أن يعوها ويدركوها وهي أنه لا يمكن مقاومة هذه البعوضة دون معرفة جميع ملامح سلوكها، الذي لا يمكن التعرف عليه دون معرفة معطيات الوسط البيئي الذي تعيش فيه هذه البعوضة. عدم إدراك الأمانة لهذا الأمر أو هذا الواقع العلمي دفعها لتطبيق التجربة الماليزية، في مقاومة هذه البعوضة اللعينة، وهذا كان و مازال من أكبر الأخطاء التي ارتكبتها الأمانة، فمعطيات النظام البيئي للنظم البيئية الماليزية تختلف عن معطيات النظم البيئية في مدينة جدة، و بالتالي فملامح سلوك بعوضة أيدس أجبتاي في ماليزيا تختلف عن مثيلاتها في مدينة جدة!! لذا لا بد أن تكون طريقة مقاومتنا لهذه البعوضة تختلف عن طريقة مقاومة الماليزيين لها، بمعنى أن تطبيق التجربة الماليزية غير مجدٍ مع هذه البعوضة في مدينة جدة!!. ففي شهر مارس عام 2010 نشر في الصحيفة العلمية Med Vet Entomol بحث علمي للدكتور Buker R ( وآخرين).. أحد خبراء مركز الرعاية الصحية للقوات الأميركية ( [email protected]) أوضح بعد دراسة سلوك مطولة لسلوك هذه البعوضة امتدت لسنوات طويلة، أن هذه البعوضة لا تتكاثر فقط في المناطق النائية ذات المياه الصافية بل تتكاثر أيضا في البيارات Septic Tanks ومستنقعات مياه الصرف الصحي، وهناك العديد من الأبحاث التي أيدت ما ذهب إليه الدكتور بوركر، و أردت من هذا الاستشهاد أن أوضح للقائمين على الأمانة أن أساس حل أي مشكلة لا يمكن أن يتم بتهميش الخبراء الأكاديميين في حل المشاكل التي تعصف بنظمنا البيئية، وأرجو أن لا يفسر كلامي هذا على أنني أبحث أو أطمع في منصب في الأمانة، فهذا والله لم ولن يرد على خاطري!!

وقد يكون لدى الأمانة بعض العذر في فقد ثقتها في الأكاديميين، فهناك بعض أنصاف المثقفين الأكاديميين أساؤوا إلى النخبة المميزة من خبراء البيئة!! و لاشك أن أنصاف المثقفين هؤلاء قد أفقدوا مجتمعنا الثقة في جميع الجامعات السعودية و جميع شرائح الأكاديميين العاملين بها على اختلاف ثقافاتهم وقدراتهم العلمية والعقلية.

ونعود إلى الدكتور بورك الذي يذكر في بحثه أنه قد تمكن من الإمساك بحوالي 160 بعوضة في اليوم الواحد من بيارة واحدة، فتخيل أخي القارئ عدد البيارات في مدينة جدة وعدد البعوض المنبعث من هذه البيارات في يوم واحد، علما أن كل بعوضة تضع حوالي 200 بيضة خمس مرات في عمرها القصير الذي لا يزيد عن شهر واحد!!!! لذا أنا أرجو من معالي أمين مدينة جدة إعادة النظر في استراتيجيات الأمـانة في مقاومة هذه البعوضة اللعينة. من المعروف أن لهذه البعوضة أربعة أطوار، تبدأ بطور البيضة، وهذا أخطر طور في حياة هذه البعوضة، حيث لهذه البيضة القدرة على مقاومة الظروف البيئية المتطرفة، يساعدها في ذلك القشرة الكيتينية التي تفرزها حول نفسها، والتي تمكنها من العيش لسنوات طويلة، حتى يصلها الماء مرة أخـرى لتفقس، من هذا نرى أنه لا يمكن القضاء على هذه الـبعوضة في مدينة جدا قضاءً مبرما ولكن نستطع أن نحد من انتشارها. لاشك أن عالم بعوضة حمى الضنك عالم غريب وعجيب ويتطلب الكثير من التفصيل، لذا سيكون حديثي موصولا عن هذه البعوضة اللعينة.