تختلف أمانة منطقة الرياض عن مثيلاتها في أنها تقدم صورة مختلفة وجديدة لمفهوم وحدود "الأمانة" فتخرج بها عن إطار العمل التقليدي لتضيف إليه وهجاً ثقافياً وترفيهيا لم تقم بمثله مؤسسات الثقافة. ومنذ سنوات بدأت الصورة الجديدة للأمانة تتشكل تدريجياً، متواصلة مع المجتمع ومتفاعلة معه، وساعية إلى رسم علاقة جديدة ومختلفة يخطها أمينها الأمير الدكتور عبدالعزيز بن عياف برؤية تحديثية تستند إلى حقيقة أن أميرها صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز، كان يتقدم بها دوماً في كل مجال، ويترسم لها ولسكانها مواقع الأولوية والسبق والتفرد.

وبدأت الأمانة بتنظيم احتفالات أولية تتضمن استعراضات شعبية تؤديها ، في ساحة قصر الحكم، مجموعة من الجاليات العربية والإسلامية في العاصمة، ثم باشرت التعمق في نشاطات احتفالية أكثر جرأة وحيوية في سعي يبدو أن غايته جعل الرياض منطقة جذب في العيد بدل أن يتناثر سكانها في بقاع داخلية وخارجية طلباً للبهجة، وتلمسا لمعاني فرحة العيد، وهرباً من سكون يلف المدينة في أيام عيدها.

كان توجه "الأمانة" الاحتفالي غير متوقع إذ ماعلاقة جهة تعنى بالنظافة والتشجير لتزج بنفسها في حقول مؤسسة أخرى، ولماذا تختص الرياض بذلك دون غيرها من المدن الأخرى؟، إن أمين الرياض في هذا التوجه هو بمثابة العمدة في المدن الأوروبية وبالتالي فهو معني بجوهر مدينته ودرجة حضورها وتأثيرها، وأن تكون فعلاً متفردة في نسيجها، ومتميزة في حضورها، وتليق بمحبة وعشق ساكنيها.

وأثمرت جهود الأمانة في أنها اصطنعت للعيد صورة تليق به، واستبقت أفواجاً من سكانها اعتادوا هجرها ما أن تلوح بشائر العيد، بل إنها أحالتها إلى وجهة سياحية يتقاطر إليها الزوار من الداخل والخارج فيجمعون بين التمتع بهيبة المدينة وحضورها الفخم إلى البهجة المقترنة بالضحكة في مشهد ثقافي متنوع يوشك أن يجعلها عاصمة دورية للثقافة الفنية الخليجية كل عام.


أصوات متشددة

وأفرحت هذه الخطوات المتنامية سكان الرياض إلا أنها أغضبت أصواتا متشددة تطالب بالعودة إلى حال الصمت والعزلة خِيفة مما يأتي لأن ماتقوم به الأمانة من نثر للورود ونشر للفرحة مغالاة قد تؤدي إلى الشطط .

وأبرز أحداث الاعتراض على الفعاليات التي تقام في مدينة الرياض حادثة في مسرحية عرضت بكلية اليمامة، وتقديم عريضة إلى مكتب مفتي عام المملكة، إضافة إلى تقديم أحد أعضاء المجلس البلدي استقالته بسبب ما يدعيه بأن الاحتفالات تتركز على الموسيقى وطريقة تواجد الفتيات أمام الرجال ومشاركة فرق غير مسلمة، وحينها صرح أمين منطقة الرياض الأمير الدكتور عبدالعزيز بن عياف، بأن استقالة عضو المجلس البلدي هروب من المسؤولية، كما نفى وجود أية مخالفات شرعية ذكرت في خطاب استقالة العضو، مضيفاً أن الاحتفالات ستستمر حتى لو أدى ذلك إلى المزيد من الاستقالات.

ولم تستطع هذه الأصوات بضجيجها ومحاولات تشويهها للصورة أن تعيق المسيرة التي أخذت تزداد كل سنة تألقاً وعمقاً وتنوعاً، وتجتذب جماهيرها، ويتسابق إلى المشاركة فيها مبدعون من بلدان شتى يقيناً أنها ذات جماهيرية متسعة، وشعبية منتشرة. وأصبحت هذه الاحتفالات حقيقة ثابتة لأن القائمين عليها لم تروّعهم التهم العظام، ولم تخفهم التهديدات الكثر، وغدت الاحتفالات نشاطا يترقبه الجمهور ويتدافعون إليه، ويجعلون جوهر بهجتهم لثلاثة أيام متصلة.

"عروض مسرحية، وفنون شعبية، وألعاب نارية، ونزهات في الحدائق والمتنزهات" هذا ما تقدمه أمانة منطقة مدينة الرياض في احتفالاتها أيام عيد الفطر المبارك لأهالي العاصمة، ولم يقتصر دورها على تزيين الشوارع فقط بل البحث عما يفرح الأهالي والترويح عنهم.

وتؤكد حجم إشغال فنادق وشقق العاصمة بأن الأمانة حققت هدفها بأن تكون العاصمة هي مقصد لجذب العائلات من جميع المناطق، حيث ساهم في ذلك التنوع في تقديم العديد من الفعاليات.

ويعتبر هذا العام ذروة النشاط إذ تقدم الأمانة جدولاً حافلا مليئا بنشاطات لاتقتصر على عمر دون آخر، ولاتختص بجنس وتعزل الآخر بل تحتوي في مدارها الجميع لتكون السمة المشتركة هي فرحة العيد، وعلامته الظاهرة التواصل والتفاعل والبهجة.

وبهذا النهج أغلقت أمانة الرياض ثغرة في الثقافة، وفتحت عوالم من الترفيه البريء، وأعطت العاصمة ماتستحقه من حضور وفاعلية أيام العيد، أي أنها أعادت للرياض صورتها الفعلية الصادقة بعد أن شحبت لسنوات.