لم يكن اليومان السابقان اعتياديين كما درجت العادة في بلدية محافظة قرية العليا. ومنذ دخول المراجع لمبنى الإدارة يلمح الوجوم في وجوه الموظفين الذين فقدوا رئيسهم فجأة في حادث سير مروّع. ملامح الرثاء والحزن تتوزّع في جنبات البلدية وفي مكاتبها وممراتها وكأن حداداً قائماً في وداع رأس الهرم الإداري الذي رحل وهو في أوج نشاطه وذروة إنتاجه.

وفيما كان الحزن صادماً أول من أمس، صبيحة الإفاقة على نبأ مصرع المهندس فلاح بن نايف العوني في الحادث الذي وقع في المساء السابق؛ فإن الحزن أمس كان رسمياً بالمعنى الحرفيّ للكلمة. وتجسّد ذلك في سفر أمين المنطقة الشرقية المهندس ضيف الله العتيبي من الدمام إلى محافظة قرية العليا قاطعاً مسافة 370 كيلومترا لتقديم العزاء لذوي الراحل العوني وزملائه في البلدية.

ولدى لقائه إياهم في مقرّ البلدية قال العتيبي إنه فقد أخاً عزيزاً ومسؤولاً متفانياً في عمله طوال مسيرته الوظيفية. وقدم وكيل الأمين للبلديات المهندس شجاع المصلح شهادة مماثلة واصفاً الراحل العوني لـ "الوطن" بأنه كان شديد الحرص على مسؤولياته، وذا تطلّعات بعيدة المدى لتطوير محافظة قرية العليا وتلبية احتياجات المواطنين فيها.

المهندس فلاح العوني التحق بالعمل الحكومي عام 1407 مهندساً زراعياً في فرع وزارة الزراعة بقرية العليا، وذلك بعد تخرجه من كلية الزراعة بجامعة الملك فيصل. وبعد 13 سنة نقل خدماته إلى وزارة البلديات. لكنّ طموحه كان أعلى من البقاء مهندساً نمطياً، وواصل دراسته ليحصل على الماجستير من معهد الإدارة العامة عام 1426م. وبعدها عُيّن رئيساً لبلدية محافظة القرية. وفي موقعه الذي شغله حتى وفاته المؤسفة كان يعمل طيلة الوقت مستغلاّ مدار الساعة للخدمة العامة.

ويصف مدير مكتبه الموظف فيصل الحزيمي جدول يومه كمسؤول بأنه كان نموذجاً للنشاط المتواصل، وعلى نحو لا يعترف بالساعات السبع المحددة بالدوام الحكومي، ولا الإجازات الأسبوعية. يضيف الحزيمي بأن المهندس العوني كان يعمل ليلاً للوقوف على حالة السيول التي تداهم المحافظة متفقداً مشاكل مشروع التصريف وباحثاً عن حلول ممكنة لتجنيب المواطنين متاعبها. ويتذكر الحزيمي أن الراحل كان لديه اهتمامان أساسيان في جدول يومه، أولهما خدمة الناس من خلال الوظيفة، والثاني هو العناية بوالده الذي يعاني مرضاً مزمناً أقعده في المستشفى لمدة طويلة.

ويشير موظف آخر يشغل موقع سكرتير البلدية هو سليمان الرشيد إلى ما كان يتمتع به رئيس البلدية "السابق" من صفات شخصية، "كان كثير الابتسام، وكان لا يغضب من مراجع لحوح ولا من كبير سن يرفض التفاهم، كانت لديه قدرة على احتواء أي مشكلة بالشكل المناسب".

زميل آخر يشغل منصب رئيس القسم الفني هو المهندس متعب ظاهر الحسيني لديه مرثية موجزة ومعبّرة عن رئيسه الذي توفي في الخامسة والأربعين من عمره "افتقدنا أخاً عزيزاً وزميلاً فاضلاً قبل أن يكون رئيساً". يضيف كان يتميز بصفات حميده وأمانة وتدين صادق ورقي في التعامل وطموحات عالية كان لها أثر واضح في تطور المحافظة وتنوع مشاريعها". كان "يحمل آمالاً كثيرة لخدمة المحافظة وأهلها وكان يكرس جل وقته واهتمامه لمتابعة المشاريع وابتكار الأخرى". و "كانت لديه نظرة مستقبلية ويرى أن أساس التطوير في العمل قائم على تطوير الكادر والموارد البشرية، ولذلك اهتم برفع الكفاءة من خلال حث الزملاء والموظفين على الدورات التدريبية وورش العمل والالتحاق بها في الأمانه وفي الوزاره وفي مراكز التدريب".