يبدو أن الإخوة الكرام رئيس وأعضاء لجنة الاقتصاد والطاقة في مجلس الشورى لا يعلمون أن (فقه التجارة والصناعة) صعب جدا، أو أنهم غير مكترثين بأن يُوصفوا بالجهل في باب الفقه العسير هذا، فأعضاء اللجنة الموقرون جعلوا مجلس الشورى يجدد قراره الصادر في جمادى الثانية عام 1429هـ بشأن فصل الصناعة عن التجارة في وزارة مستقلة، مع أن أعضاء اللجنة الكرام وفي مقدمتهم رئيسها الدكتور محمد الجفري يعلمون – قطعا – أن وزير التجارة عبدالله زينل سبق أن أعلن من على منبر الغرفة التجارية بجدة أن الذي يطالب بالفصل (لا يفقه لا في التجارة ولا في الصناعة ) مع أن الذي سأله والذين كانوا يستمعون إليه من كبار التجار والصناع في البلد، ولم يكن أمامهم سوى الصمت أمام فقه معالي الوزير، فكيف تجرأت لجنة الاقتصاد بمجلس الشورى وجددت مطالبتها بالفصل؟

وفق ما نشرت الصحف يوم الخميس 9 جمادى الثانية الماضي، فإن اللجنة أبدت تخوفها من عدم تمكن وزارة التجارة والصناعة بشكلها الحالي من الوفاء بالتزاماتها نحو تنفيذ الاستراتيجية الوطنية للصناعة، تلك الاستراتيجية التي أقرها مجلس الوزراء في السابع من شهر صفر عام 1430هـ كخيار استراتيجي لتنويع مصادر الدخل، وحدد لها 12 سنة للتنفيذ منذ تاريخ إقرارها، ولجنة الاقتصاد والطاقة بمجلس الشورى التي ناقشت التقرير السنوي الأخير لوزارة التجارة والصناعة بنت تخوفها من عجز الوزارة حاليا على تنفيذ الاستراتيجية، ومطالبتها بوزارة مستقلة للصناعة على أن وزارة التجارة والصناعة بشكلها الحالي متعددة المهام ومتداخلة ومختلفة وغير متناسقة، كما أضافت اللجنة عدة ملاحظات وتوصيات في ضوء تقرير الوزارة السنوي.

لم أقرأ حتى الآن أي تعليق لوزير التجارة والصناعة على مطالبة مجلس الشورى بفصل الصناعة عن التجارة في وزارة مستقلة، على الرغم من مرور نحو شهر على تلك المطالبة، فقلت لعل معاليه اقتنع أنه ليس صاحب القرار لا في الفصل ولا في الدمج، وعرف أن مجلس الشورى وأولئك الذين سألوه في غرفة جدة يرفعون مطالبتهم إلى صاحب القرار الذي يملك البت في ذلك. على أي حال أنا لا أستطيع أن أفتي في الأمر لعدم الاختصاص فأنا لا أفقه فعلا لا في التجارة ولا في الصناعة، لكنني مراقب يتأمل ويجد أمامه أسئلة لا يعرف إجاباتها فيلجأ إلى ذوي الاختصاص ليسألهم، ومن الأسئلة المحيرة لي وربما لكثيرين غيري، سؤال عن الأسمنت؟ فمنذ أكثر من شهر شهد السوق أزمة أسمنتية لا ندري ما هو سببها، ولا كيف نشأت، وحتى الآن مازالت الصحف تنشر بصورة شبه يومية عن أسواق سوداء لبيع الأسمنت بأسعار مبالغ فيها، مرة تظهر هذه السوق في الطائف ومرة في جدة وأخرى في الباحة ورابعة في مكة المكرمة وأخريات هنا وهناك، ولا أحد يعرف سببا حقيقيا مقنعا للمسألة، وكلها مجرد تحليلات وتخمينات وشائعات. وزارة التجارة والصناعة بحكم مسؤوليتها عن مراقبة المصانع من جهة ومراقبة التجار والأسواق من جهة أخرى لم تتوصل إلى معرفة السبب الحقيقي أو أنها لم تعلنه، واكتفت بالتهديد والوعيد الذي لا أثر له في الواقع، لأن المشكلة مازالت قائمة، والسؤال: ألا يرى وزير التجارة والصناعة في هذه التجربة الأسمنتية ما يدعم مطالبة مجلس الشورى والتجار والصناع بفصل الصناعة عن التجارة في وزارتين مستقلتين لتتفرغ إحداهما للمصانع وتتفرغ الأخرى للتجار والأسواق، ثم ألا يجد معاليه في هذا حافزا ليدعم هذا المطلب عند صانع القرار بتقديم شواهد حية من تجارب الوزارة الحية التي ثبت فيها عدم قدرتها على الجمع بين فقهي التجارة والصناعة، ومنها تجربتها مع الأسمنت التي جعلتها في وضع يؤكد مخاوف لجنة الاقتصاد والطاقة في الشورى، فالوزارة في هذه المشكلة لم تتمكن من ضبط المصانع، ولا من ضبط السوق، وربما أنها لم تتمكن من تشخيص المشكلة حتى الآن، فكيف يطمئن مجلس الشورى ولجنته الاقتصادية على أن مساهمة قطاع الصناعة ستصل إلى 20% من إجمالي الناتج المحلي بعد عشر سنوات كما حدد مجلس الوزراء، بينما الوزارة الحالية عاجزة عن ضبط الأسمنت صناعة أو تسويقا، ناهيك عن المشكلات الأخرى؟ إنني أسأل فقهاء التجارة والصناعة فليتهم يتكرمون بالإجابة.