يهودا والسامرة هو الاسم الذي يطلقه اليهود في كل مكان على ما يُعرف عربيا بالضفة الغربية، بل إنها بالنسبة لهم قلب الأمة اليهودية النابض، قلم هويتها ودواة تاريخها، وليس مستغربا إذاً حينما يصرحنتنياهو بكل وقاحة وتعجرف وتعال بأنه: "في يهودا والسامرة الإسرائيليون ليسوا محتلين أجانب"، يا سلام! يعطي لنفسه الحق في استخدام كتابه المقدس، وحين نستخدمه نحن نعتبر أنصار الإرهاب وجب أن نواجه ونقتلع من جذورنا، أن نتخلى عن عروبتنا بينما يتمسكون هم بأفكارهم الصهيونية! ثم أين كان ذلك؟ في خطبته في مبنى الكونجرس أمام التجمع الثنائي الاستثنائي لمجلس النواب ومجلس الشيوخ، في نهاية الشهر الماضي.. حقا يا سيادة الرئيس! والجميع كان يعتقد بأنكم هناك لقضاء إجازة سياحية! والمضحك المبكي أيضا أن وقف له الجميع في الكونجرس الأمريكي مصفقا، ليس مرة وليس اثنتين، بل لأكثر من عشرين مرة! ياللخطيب البارع، زور الحقائق وتعدى على الضمائر، بل أكثر من ذلك فلقد كانت خطبته بمثابة صفعة في وجوههم، وماذا فعل من يخافون على كراسيهم، بل زايدوا عليها لمن يدفع أكثر؟ أداروا له الوجه الآخر كي يكمل ما بدأه من صفعات، أقواها في وجه رئيس دولتهم! ومقابل كل إهانة للشعب الفسلطيني ازداد الحماس، يصفقون لمهندس المجازر، يطالبون الغير بالديموقراطية ويتملقون لراعي القمع والاستبداد، يراقبون بعيون يقظة الدماء التي تسفك بسبب تدخلاتهم حول العالم، ويصابون بالعمى المزمن فلا يرون الدماء الفسلطينية على حدود أرضهم المغتصبة وفي قلب وطنهم المحتل!
في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية لم يحظ بمثل هذا الشرف، أي التحدث إلى دورات مشتركة في الكونغرس لأعضاء مجلس النواب والشيوخ، من الزعماء الأجانب سوى أربعة، منهم ونستن تشرتشل، نسلن مانديلا، وإسحق رابين، والأخير كان بسبب فتح المفاوضات مع الشعب الفلسطيني، ولكن هذه المرة جاء دور نتنياهو! لماذا؟ هل بسبب غصن الزيتون، أم بسبب حمامة السلام التي ترفرف فوق رأسه؟! إن في تاريخه لا توجد أية مبادرة واحدة.. واحدة فقط تدل ولو على استحياء بأنه سار في طريق السلام، بل على العكس سجله مليء بالرفض والاعتراض على كل ما طلب منه، خاصة تجميد بناء المستوطنات، لم يواجه الأمريكان رئيسا متشددا ومتعجرفا وغير مبال كنتنياهو، إذاً لماذا سمح له بأن يخطب من على هذا المنبر الهام؟ أليس في ذلك رسالة واضحة من الكونجرس للرئيس أوباما بأنه لن يجد الدعم في حال تابع جهوده في إيجاد اتفاق بين الكيان الصهيوني والفلسطينيين؟ وطبعا تحت تأثير اللوبي الصهيوني الذي بات الجميع يعلم بأنه هو من يحكم ويتحكم بقرارات الولايات المتحدة، نجد أنه الويل ثم الويل لكل من يفكر مجرد التفكير في الخروج عن مخططاتهم أو حتى التعثر، وبهذا يصبح حلمهم في تهويد وإعلان القدس عاصمة للكيان الصهيوني أمرا مفروغا منه ولا جدال فيه، لقد حصل نتنياهو على غطاء أمريكي لجميع مواقفه وسد الطريق عن حلم أي فلسطيني بحق العودة لحضن وطنه، أي كل من يحمل مفتاح بيته "يبله ويشرب ميته" فلا عودة ولا وطن ولا سلام!
إن الرسالة التي أرسلها الكونجرس الأمريكي للفسطينيين خاصة والعرب عامة كانت أكثر من واضحة بتكرارهم للتصفيق الحار خاصة عند تعرضه لنقاط محورية مثل حق العودة، والاستيطان، ونعت جميع الفلسطينيين بالإرهاب، بمعنى أنه شعب لا يستحق وطنا، وبناء على ذلك لن يسمح له بذلك، لقد ربط بين المقاومة المشروعة وبين الإرهاب، ووصفهم بأنهم يحرضون أبناءهم على الكراهية،لا سيما وهم لا ينفكون عن إطلاق أسماء الشهداء على ساحاتهم! يا سلام وأصحاب المذابح من فرق "الهاجانا" يكرمون بكل الطرق، وفوق تراب سُقي بدماء ضحاياهم، وماذا يعلمون أطفالهم حين يكتبون "مع المحبة" على الصواريخ التي أطلقت على غزة؟! خطاب متطرف من أوله إلى آخره وتصرف الكونغرس كأنهم لم يستمعوا سوى لموسيقى أطربتهم حد النشوى، وحين انتهى انكبوا عليه وكأنهم يطلبون بركاته، بل لم يبق سوى أن يحملوه على الأكتاف ويخرجوا به في مظاهرة!
أقول لهؤلاء الأعضاء لا تخافوا وأهدؤوا فلقد ضمنتم الدعم المالي واللوجستي لقضاياكم العامة والخاصة، وأصبحت أصوات ناخبيكم في الحملات المستقبلية مضمونة خاصة برضاء "AIPAC" عليكم، وليشرب من يعترض من البحر، ولكن ليس قبل أن تلوث كل البحار بالفتنة والتفرقة والتفتيت لأي تجمع أو لحمة قومية أو وطنية!
وإن كان هنالك مجرد شك، في أن الولايات المتحدة سوف تلعب دورا نزيها أو تكون عادلة أو حتى موضوعية حين تتخذ دور الوسيط، فبهذه المسرحية "الكموتراجيدية" قُطع الشك باليقين،ومصير الشعب الفلسطيني أصبح بين أيديهم فقط، ويجب ألا يعتمدوا على دعم العالم الخارجي وخاصة أمريكا متمثلا بكونغرس أثبت أنه لا يعترف بوجودهم أصلا، وعليه لا حق ولا دولة لهم، وأن خطوة ممثلي الشعب الفلسطيني بالتوجه إلى الأمم المتحدة وإعلان قيام دولتهم، لهي خطوة هامة وحتمية، فالكيان الصهوني الذي يرفض أن يتفاوض مع شعب بلا دولة سوف لا يكون أمامه سوى خيار التفاوض مع شعب بدولة، هي به المحتل.