لا شك أن جميع من "يفك الحرف" في وطننا أصبح يعرف معنى "العضل" ليس بسبب التعليم التلقيني الذي يُجلد به منذ خطواته الأولى في المدرسة حتى يتخرج في إحدى الجامعات (إن أكرمه الله وحصل على مقعد)، فمعظم مناهجنا تربي الأطفال على أن المرأة شخصية هامشية تتبع ولي أمرها "الرضيع"، ولو كان ولي الأمر هذا من الدرجة العاشرة في القربى فهو في النهاية "السيد المطاع"، وقضية مثل العضل قد تمر مرور الكرام بين سطور المنهج، وإن تطرق لها بعض المعلمين فمن باب "للقراءة فقط". ولكن السبب كثرة ما تداولته وسائل الإعلام في السنوات الأخيرة حول هذه القضية "القبلية"، وخصوصا بعد فتوى سماحة مفتي عام المملكة الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ بتحريم العضل والتحجير على البنات.

ما سبق من حديث في "العضل" يدخل في الجانب الاجتماعي، ولكن ما يمكن ذكره هنا أن لـ"العضل والتحجير" وجها فكريا آخر يختلف عن الاجتماعي في الشكل السطحي، ويتفق معه في العمق.

هذا الوجه الفكري نراه حاضرا في نماذج كثيرة بمجتمعنا منها "عضل وتحجير" عقول طلاب المدارس عن طرح التساؤلات واكتشاف الجديد الذي لا تحويه المناهج، و"تحجير" الإعلام على نغمة صوتية واحدة يرددها الجميع منذ الصباح حتى الصباح، و"تحجير" العيون على قراءة أحرف واحدة باتجاه واحد، ولو حاول أحدهم النظر لهذه الأحرف من زاوية جديدة، لاعتبر خارجا عن عرف "القبيلة الفكرية" وبالتالي شملته "رحمة" التفسيق والتبديع وربما حصل على صك الخروج النهائي من الملة..!! وقد تشمله إحدى "غزوات" معرض الرياض الدولي للكتاب. ولأن هذا التحجير والعضل العقلي يسير في وتيرة متسارعة عاكسا "الطريق الإنساني" نحو فتح مسارات جديدة للعقل لكي يستطيع تأدية مهمته التي خلقه الله لها، فإنه ليس غريبا أن نجد أننا تحولنا إلى "قبيلة عقلية" واحدة لا تعرف غير ذاتها ولا تسمع إلا صوتها، تتناسل ذاتيا، ولا يدخل في "مرابعها" إلا ابن العم، الفارس المغوار، الذي يحمي "الديار" من تطفل أي غريب ..!!. ولذلك لا تستغرب إن فاز ابن القبيلة الذي يكتب خاطرة بجائزة ثقافية هامة في الرواية إن كان "ابن العم" هو المُحكم، ولا تتكدر إن فازت "خربشات طفولية" بجائزة مرموقة في التشكيل أو التصوير، إن كان المُحكم هو "ابن العم" وحامي حمى القبيلة.

والأهم انظر إلى النموذج "الحضاري" الفريد الذي يحدث الآن في الجمعيات العمومية للأندية الأدبية، حيث لا تسمع عبارة "انخاك تصوت لي" وردها الموسيقي "ابشر يابن العم".