تثير مسرحية "طرفة بن العبد" التي عرضت مساء أول من أمس في حفل افتتاح مهرجان سوق عكاظ الرابع بالطائف، العديد من الأسئلة حول المدى الذي وصل إليه التجريب الفني (المسرحي خصوصا) في توظيف التراث، وهل استثمر هذا التراث بالشكل المطلوب في إثارة أسئلة جديدة في الفكر العربي قد تنير، بل وتتجاوز بعض الخطوط الوهمية التي يعتقد البعض أنها حمراء؟

فعلى الرغم من أن الحدث المسرحي وشخوصه معروفون في التراث الأدبي، والقصة معروفة البداية والنهاية سلفا، إلا أن كاتب العمل رجا العتيبي نجح إلى حد كبير في الإسقاط الفني على الواقع العربي بعمومه، وإثارة أسئلة فكرية من قبيل: هل نحن امتداد لذلك الإرث القيمي الذي ساد قبل آلاف السنين؟ ألم تتغير نظرتنا تجاه الحياة والتعاطي معها؟

والمسرحية التي قام ببطولتها الفنان السوري زيناتي قدسية( بدور ملك الحيرة ) والسعوديان عبدالله عسيري بدور (الشاعر المتلمس) ونايف خلف (بدور طرفة)، وأخرجها شادي عاشور. تعالج قضية علاقة(الأديب/الشاعر/المثقف) بالسلطتين السياسية والاجتماعية، في رسائل مررها كاتب العمل خلال النص، منها أن المثقف يفترض به أن يكون صوت الوعي والتغيير الاجتماعي، ولكنه لن ينجح في رسالته إلا بالواقعية والابتعاد عن النرجسية والغرور المفرط، كما في موقف طرفة بن العبد الذي مثل نموذجا لشخصيات فكرية وثقافية تتفاوت النظرة تجاهها في المجتمع العربي، فالبعض يعتبرها شخصيات شجاعة وقائدة للتغيير، وآخرون يصنفونها في خانة المتهورة التي لا تحسن التصرف وليست جديرة بقيادة أي تغيير في الوعي الجمعي. وهنا يمكن أن تجرنا المسرحية إلى قضية أخرى لها بعد تاريخي حفل بنقاش بين بعض ضيوف مهرجان سوق عكاظ الذين تابعوا العمل المسرحي، وهو البعد التاريخي، فقد دارت تساؤلات في الطريق بين مقر السوق.. هل نعتبر قصة مثل قصة طرفة بن العبد حقيقة تاريخية أم يمكن أن تصنف ضمن التراث الأسطوري؟. وهي من الأسئلة التي أثارت نقاشا موسعا بين عدد من المؤرخين المشاركين وبعض المثقفين الذين يشككون في بعض ما أوردته كتب التاريخ. ولعل وجود مثل هذه الحوارات من أهم المكاسب الثقافية التي يسعى لتكريسها مهرجان سوق"عكاظ"، فليست حوارات محلية بل عربية شمولية ، يشارك فيها ضيوف السوق من المثقفين والأدباء العرب.

وفي الجانب الفني للمسرحية عاب بعض الحاضرين والنقاد المسرحيين على كاتب العمل ومخرجه ما وصفوه بـ "الإطالة غير اللازمة فنيا" حيث يرى هؤلاء أنه "كان بالإمكان تكثيف العمل في وقت أقل، كذلك لوحظ بعض الخلل في توزيع الإضاءة على المسرح وتوافقها مع حركة الممثل".

أما في جانب القوة فيمكن القول إن استخدام مخرج العمل لبعض تقنيات المسرح التجريبي مثل الرقص والاستعراض المسرحي والموسيقى الصاخبة، جزء من رؤية تحديثية لتناول القصص والأساطير التاريخية، مع أنه شاب بعض المقاطع خطابية، ولكنها لم تكن مؤثرة بشكل واضح في الرؤية الفنية/التحديثية التي وفق فيها الكاتب والمخرج.

وفي المجمل فإن تجربة الأعمال المسرحية المنفق عليها بشكل جيد كما في مسرحيتي مهرجـاني سوق عكاظ الثالث والرابع، نجحت إلى حد كبير في رسم خط جديد للحركة المسرحية في المملكة، وهو ما دعا أمير منطقة مكة المكرمة رئيس اللجنة الإشرافية على سوق عكاظ الأمير خالد الفيصل للتأكيد على أهمية دعم هذه النقلة المسرحية، وذلك بإشادته بالمسرحية ودعوته الصريحة لوزير الثقافة والإعلام الدكتور عبدالعزيز خوجة ـ الذي كان يجلس إلى جواره أثناء حوار سموه مع ضيوف السوق أمس قبيل حفل الغداء الذي أقامه لهم في فندق "الطائف إنتركونتيننتال" ـ إلى دعم الحركة المسرحية في المملكة بشكل أكبر من قبل الوزارة وتوفير الإمكانات اللازمة لتطويرها، وتأكيد سموه على أن المسرح سيكون من أهم فعاليات مهرجان سوق عكاظ في الأعوام المقبلة.