ذهب الدكتور مرزوق بن تنباك إلى أنه يميل إلى إيجابيات ما تركه المستشرقون أكثر من سلبياتهم؛ حيث يعزي لهم الدور الكبير في النهوض باللغة العربية، وقدموا لها ما لم يحسن حتى أهلها كتابته، كما أنهم اهتموا بالقرآن الكريم والذي ترجموه قبل 1000 عام؛ كما يحسب لهم تحقيقهم للتراث القديم الذي غاب عن العرب.

وأكد ابن تنباك في حديثه أول من أمس خلال ندوة بعنوان "المستشرقون والشعر العربي" ضمن فعاليات مهرجان سوق عكاظ الثقافي التي شارك فيها أستاذ الأدب بجامعة عين شمس الدكتور باهر محمد الجوهري أن المستشرقين هم أول من قام بفهرسة الأحاديث وأول من قدموا لنا دواوين الشعر حيث وقفوا على وثائقه ومخطوطاته واهتموا أيضا باللغة العربية.

إلا أن ابن تنباك أفصح عن عدد من السلبيات ومن بينها انطلاق حكم بعضهم من موقف متحيز، كما أنهم نظروا للثقافة العربية من رؤيتهم ولم ينظروا إليها من داخلها، إضافة إلى السطحية في تعامل بعضهم مع اللغة والتراث الأدبي والعلوم الإسلامية.

وكان ابن تنباك قد بدأ ورقته بتعريف الاستشراق؛ مشيرا إلى أنه يمثل اتصالا بين الشرق والغرب أو بين الحضارة الغربية والحضارة الإسلامية، وذهب إلى أنه لم يكن هناك اتصال إيجابي في كل جوانبه بل كان هناك أخذ ورد ومد وجزر. وقد بدأ ذلك الاتصال إبان الحروب الصليبية ثم ما سمي "بحروب الاسترداد" في الأندلس. موضحاً أن تلك الحروب كانت الاتصال الأول الذي استفاد الغربيون فيه من الحضارة الإسلامية عندما قام علماؤهم بترجمة العلوم والكتب الإسلامية.

وقال ابن تنباك في الندوة التي أدارها الدكتور عبدالرحمن الوهابي إن مصطلح الاستشراق الجديد ظهر بعد أن نهضت أوروبا وسمت المناطق الإسلامية بمناطق الشرق، وأطلقوا على من اهتم بحضارة تلك المناطق اسم المستشرقين أو الاستشراق. مضيفا: أن الاستشراق توجه إلى ثلاثة جوانب هي الجانب العسكري، الجانب الاقتصادي وكذلك الجانب الفكري.

وركز الجوهري حديثه على أعمال المستشرق النمساوي همر جولدستاير والذي كان مؤرخا وأديبا يميل للشرق الإسلامي. مؤكدا على دوره في الدفاع عن الإسلام والنبي محمد صلى الله عليه وسلم.

وقال الجوهري: إن ما يثير الإعجاب بهمر هو إتقانه للغة العربية وسعيه الدؤوب لنقل معانيها إلى كلمات تمثل القوالب اللغوية من كلمات اللغة الألمانية لتحدث تأثيرا مشابها لتأثير كلمات الأصل العربي. مشيرا إلى أنه قضى الكثير من سنوات عمره يكتب تاريخا من الأدب العربي بالدرجة التي اختلطت فيها أحاديثه بوجدان الشعراء بالشرق وبدأ بعد هذه المعايشة والتأثر الوجداني يكتب شعرا على نمط تلك الأشعار التي تأثر بها.

ولم يترك همر ـ بحسب الجوهري ـ أثرا من الآثار الإبداعية العربية إلا وقام بقراءته وترجمته. مشيرا إلى أن من الأماكن التي زارها القسطنطينية والبسفور حيث ألف عنها كتابا بلغ أكثر من 1000 صفحة. واصفا الأماكن والآثار في تلك المنطقة وتاريخها كما نقل ما كان منقوشا على الجوامع والقبور.

وختم الجوهري بأن همر والذي امتدت حياته من عام 1774 إلى 1856 كان ينادي في مؤلفاته وترجماته بالتوجه إلى نبع الضياء الشرقي لنهل حكمته حيث تجده أحيانا يرتدي رداء المؤرخ المنصف وأحيانا الناطق الأمين الحكيم حين يقدم للأوروبيين حكمة الشرق، وأحيانا دور المبلغ المنصف بحقيقة نبيه الكريم، مستقيا مادته من أرقى المصادر والمراجع ويواجه المشوهين للحقيقة؛ كما يرتدي رداء الصوفي ويقدم لأبناء وطنه شرحا وافيا للتصوف الإسلامي.