مع صبيحة اليوم العشرين من شهر رمضان المنصرم، هرع أحمد مسرعاً إلى أقرب جهاز صراف آلي، ليسحب راتبه الشهري. كان البنك قد استقطع القسط المقرر، بواقع ألف وخمسمائة ريال، من نحو 6000 ريال، المبلغ الذي ينتظره بفارغ الصبر، نهاية كل شهر، ليبقى لديه قرابة 4500 ريال، وضعها في جيبه، بعد أن قبلها، وحمد الله عليها، وشكر فضله!. وفي طريق عودته إلى المنزل، اتجه إلى مكتب العقار ليدفع 1000 ريال، هي الإيجار الشهري لمنزله، ومن ثم عرج على صديقه العزيز، البنجلاديشي الجنسية، وهو البقال المجاور للمنزل، لدفع ما استحق دفعه نظير المستلزمات الغذائية، التي يُمده بها طوال الشهر، بواقع ثمانمائة ريال، على أن يسد ما تبقى من المبلغ في الشهر القادم، فوافق البقال على ذلك، وكان أحمد في غاية الامتنان، كيف لا، وصديقه وافق على إمهاله ليدفع الخمسمائة والخمسين ريال المتبقية، في وقت لاحق. وفي أثناء خروجه من عند البقال، كان صاحب محل الخضراوات المجاور للبقال قد خرج من محله، مستقبلاً إياه بابتسامة هادئة، وهو يفرك يديه، ليتسلم أربعمائة ريال، قيمة الخضروات التي أمده بها، خلال العشرين يوما التي مضت من الشهر.وما وصل أحمد المنزل، إلا وفي جيبه ألفان وثلاثمائة ريال لا غير، هي رأسماله حتى موعد الراتب القادم!.
أعباء متلاحقة
أثناء جلوس أحمد في ركن مجلسه، وقد تملكته الدهشة إزاء تردي وضعه المالي، وهو يُفكر في أولياته العائلة، وصلته رسالة تفيده بأنه صدرت فاتورة هاتفه "الجوال"، ومقدرها أربعمائة وثلاثون ريالا. أغلق الرسالة باضطراب، وفتح الآلة الحاسبة، وأخذ يحسب مصروفات كسوة العيد، بعد أن تكرمت السيدة "حرمه" وتنازلت عن حقها في الكسوة هذا العام، مقابل أن يشتري لكل أطفالها ما يليق من ملابس، تكون كافية لأربع فتيات وولدين. وتجاه قرار الزوجة، كان الزوج يتحدث في قرارة نفسه قائلاً: الحمد لله الذي هداها.
أسواق مشتعلة
اصطحب أحمد زوجته وأطفاله إلى السوق مساءً، وفي غمرة الازدحام، بدأوا يدخلون المحل الواحد تلو الآخر، وأعين أطفاله تكاد تنفطر من مشهد الملابس الجديدة. بكم هذا يا أخ، صاح على البائع، ليجيبه: بأربعمئة ، وهذا بمئتين وخمسين. نظر إلى طفلته المتعلقة بالفستان، وقال لها: هذا ليس مناسباً لك، لونه غير جميل، هيا إلى محل آخر!.
وهكذا استمر يبحث في كل السوق، وفي كل محل يُصدم بالأسعار المرتفعة، التي جعلته في حيرة من أمره. حيرة ليست حظرا على "أحمد" وحده، بل كثير من أفراد المجتمع، من ذوي الدخول المتوسطة والمحدودة، ممن تثقل أعباء الحياة كاهلهم، وتجعلهم غير قادرين على تلبية جميع احتياجات أسرهم.
جيوبٌ خاوية
المواطن خلف محارب، هو الآخر له تجربته، حيث يقول إلى "الوطن"، إن "مراجعة الحسابات في وقت خانق، يعد أمراً ميؤساً منه، خاصة إذا ما عرفنا أن بعد العيد أتت المدارس، وقبل العيد استنزفت مصرفات رمضان، كل ما في الجيب". كذلك لم يخرج حديث سعيد العتيبي، وعلي المطيري، وحسن عثمان، عما قاله خلف، مشددين على أن "أسعار المعروضات في هذه الأيام، تحيل ذوي الدخل المحدود، ومن يعتمدون على رواتبهم الشهرية، إلى الاستدانة، مما يزيد من أعباء الأشهر القادمة".
ذوو الدخل المحدود
وفي إطار ذي صلة، أبان المحلل الاقتصاد، فاضل أبو العينين إلى "الوطن"، أنه يتوقع أن "ذوي الدخل المحدود، لا يستطيعون تحمل هذه المصاريف، خاصة وأننا نتحدث عن ثلاثة مواسم في وقت واحد. موسم رمضان، وموسم العيد، وموسم العودة إلى المدارس". موضحا أنه "في التصنيف العالمي، الأسر السعودية تعد من الأسر التي تحتوي أفراداً كثيرين، ومعظم أفراد المجتمع السعودي ممن هم في مقاعد الدراسة، وبالتالي فإن الأسر ذات الدخل المتوسط والدخل المحدود، لا تستطيع أن تفي بمتطلباتها". مقترحا ضرورة أن "يوجد دعم مباشر من الدولة، لذوي الدخل المحدود في مثل هذه المواسم، كما هو معمول به في دول أخرى. كما تستطيع الدولة مساعدة المواطن من خلال تشديد الرقابة على الأسواق، بأن تتم مراقبة الأسعار، وإتاحة كافة المتطلبات، وجعلها في متناول يد الجميع"، محملا كذلك المسؤولية للجمعيات الخيرية التي يرى أن "عليها دور مهم، بأن تقدم على سبيل المثال للمحتاجين ما يسمى الحقيبة المدرسية".
المساهمة في الحل
أبو العينين، أشار إلى وجود "بعض الأطفال الذين لا يستطيعون لظروف أهلهم، أن يتناولوا وجبة الإفطار في المدرسة"، وهو الأمر الذي يرى أهمية لعلاجه من خلال "أن تقدم الدولة لهم المساعدة، وتقدم لهم وجبة إفطار خاصة، فمن حق هذا الطفل أو الطفلة، أن يتناولوا إفطارهم، أسوة بزملائهم القادرين"، مضيفا "الشركات الكبرى التي تضع إعلانات باهظة الثمن، لماذا لا تعبر عن محبتها للوطن، من خلال الدعم الاجتماعي لمن يستحق من المواطنين، وهم بذلك يقدمون شيئا حقيقيا ملموسا"، وهو المقترح الذي يراه عمليا وممكن التطبيق على أرض الواقع. ومن جهة أخرى، يعتقد أبو العينين أن "الإشراف الاجتماعي في المدارس، وتفعيله بالشكل الصحيح، دون المساس بكرامة الطالب أو الطالبة، وعدم إشعارهم بأنهم يتلقون إحساناً من أحد، قد يكون حلاً لأزمة الطالبات والطلاب غير القادرين على الوفاء بمستلزمات الدراسة، وتقديم الخدمات والدعم لهم، من خلال دعم مباشر، يأتي من فاعلي الخير، من رجال الأعمال ومن الدولة".
تقصير في الأداء
عضو مجلس الشورى السعودي، الدكتور نواف بداح الفغم، وفي تعليق له إلى "الوطن"، على قصة أحمد، وما يعانيه أمثاله من المواطنين، من أعباء لا يستطيعون معها صبرا، اعتبر أن "هناك الكثير ممن هم على شاكلة أحمد، وعانوا الظروف التي مر بها". معتبرا أن هؤلاء يعانون من "القائمين على تطبيق الأنظمة، والإهمال الشديد من البعض منهم، سواء في عملية غلاء المعيشة، أو الزيادات غير المعقولة، وهذا أدى إلى أننا بدأنا نسمع عن بعض أنواع الجرائم، والتي لم تكن موجودة في السابق، بسبب هذا التقصير والإهمال، في تطبيق الأنظمة على أرض الواقع، من بعض المسؤولين، ومنها على سبيل المثال، تقصير وزارة التجارة في مراقبة الأسعار، والأخذ على أيدي التجار وبعض البائعين، وما ارتفاع أسعار بعض الخضار بمقدار 150%، إلا مثال حي على ذلك".