يعتبر بعض السيدات عن طريق الخطأ المشاغل النسائية والعاملات بها مستودعا آمنا لأسرارهن. ومع حرصهن على الزيارات المتكررة للمشاغل من أجل تصميم الفساتين المختلفة تزداد العلاقة ترابطا بين المرأة والعاملات بالمشغل. ولا أحد يستطيع معرفة سر ارتياح النساء لعاملات المشاغل والكشف لهن عن أسرارهن وأمورهن الشخصية والعائلية والزوجية. وتؤكد مصممة الخياطة الين أن الكثير من العاملات غير قادرات على كتمان أسرار السيدات لأنهن يقمن بنقل ما يستمعن إليه من الزبونة إلى الأخريات على اعتبار أن ذلك نوع من تبادل الأحاديث الودية بين الزبونة والعاملات في المشاغل النسائية.

وقالت الين: لدي الكثير من الزبونات من مختلف الجنسيات وهناك من لها أكثر من 5 سنوات زبونة دائمة للمشغل ومثل هذه يكون لها وضع مختلف عن غيرها.

وأشارت إلى أن العديد من السيدات يقضين وقتا طويلا في المشاغل النسائية مع الخياطات، فيدفعهن الملل إلى اتخاذهن صديقات ويبدأن في تجاذب أطراف الحديث ومع تكرار الزيارات تصبح العاملة صديقة مقربة وتبدأ الأحاديث في تناول كافة الأمور الشخصية وغير الشخصية. وتقول الخياطة فاطمة عبدالصمد: لدي العديد من السيدات اللاتي يترددن على المشغل واكتسبت صداقات العديد منهن. وأكدت أن هناك العديد من الزبونات اللاتي يسردن قصصا تتعلق بأمورهن الشخصية من مشاكل أسرية واجتماعية وزوجية دون الأخذ في الحسبان أن هذه العاملة قد تكون غير قادرة على كتمان السر فقد تقوم بنقل القصص التي تسمعها للأخريات بحسن نية مما يجعل هذه الأسرار تتناقل بين السيدات داخل المشغل وتصبح معروفة لدى الجميع ممن يترددن على المشغل.

وتقول المصممة فاتن إدريس: تعتبر المشاغل النسائية عالما صغيرا يجمع شتى السيدات من مختلف الأجناس وكثيرا ما تحدث صداقات بين الزبونات والعاملات في المشاغل النسائية. ويبدأ بعض السيدات في بث أسرارهن للعاملات اللاتي يقمن بتبادلها مع الأخريات. وأكدت أن إظهار الارتياح التام للعاملات وإعطائهن الثقة التامة من الأخطاء التي ترتكبها السيدات داخل المشاغل وتكون لها نتائج لا تحمد عقباها في المستقبل وتتسبب في الكثير من الأحيان في حدوث العديد من المشاكل الأسرية والخلافات الزوجية.

ويرى استشاري الطب النفسي الدكتور علي زائري بمركز النخيل الطبي في جدة أن السيدات اللاتي يترددن على المشاغل النسائية قد تكون شخصياتهن واحدة من اثنتين الأولى نسميها النوع (الداخلي أو انتروفيرت) وهذه السيدة لا تحب مشاركة عالمها الخاص مع الآخرين وتحب أن تحتفظ بجزء كبير من أسرارها وأفكارها لنفسها وإذا كان لديها أي نوع من المشاكل فهي تفضل أن تفكر بالموضوع بصمت.

أما النوع الثاني من السيدات فيسمى (الخارجي أو الأكستروفيرت) وهذه السيدة اجتماعية وتحب مشاركة الأخريات في جزء كبير من حياتها وتحب التحدث عن أغلب الأشياء في وجود بقية السيدات وتجد متعة في ذلك.

وأكد الزائري أن الوسطية من الأمور المطلوبة بمعنى عدم التحدث عن أي شيء نهائيا عن النفس والمشاعر والأحلام أو الطموحات أو بعض الأسرار الزوجية فقد يشعر الآخرون بغموض الشخص وغرابته وقد يكون الانطباع عنه غير جيد. ومع الوقت قد لا تجد مثل هذه السيدة أي نوع من العلاقات الاجتماعية بسبب عدم التواصل الاجتماعي وقد يتم إقصاؤها عن الدعوات والاجتماعات بسبب ضعف تواصلها مع الآخرين.

ويقول الزائري هناك صورة أخرى للسيدات وهي من تلجأ إلى الإفصاح الكامل أو شبه الكامل عن كل شيء يخصها أو لا يخصها فهي تفكر بصوت مرتفع وتتحدث طوال الوقت؛ ولا يوجد لديها سر تقريبا وتناقش المواضيع الخاصة بطلاقة مثل مناقشتها للمواضيع العامة وهذه الشخصية أيضا قد تترك انطباعا مملا لدى الأخريات. ومع الوقت قد لا توجد لديها مواضيع جديدة ففي النهاية كل السيدات يعرفن أنها ليست سعيدة بعلاقتها الزوجية على سبيل المثال أو لديها العديد من المشاكل مع أطفالها وأسرتها. وأشار إلى أن كل سيدة لها دوافعها الخاصة الخفية في التحدث عن أسرارها فمنهن من تشعر بالثقة العمياء في كل من يتحدث إليها وتظن أن الحديث ينتهي عند انتهائها من الكلام ولا تظن أن أسرارها سوف تصبح معروفة للجميع. بينما هي كانت تبحث عن التنفيس في الكلام وتشارك مشاكلها الآخرين بحثا عن كلمة تعاطف أو مواساة من الأخريات فيما لو كانت تمر بمعاناة. وقد تبحث المرأة بحديثها عن الشعور بالزهو والتميز أمام الأخريات. وأضاف: أن تقييم السيدة للوضع الاجتماعي يتمثل في ذكائها أو نضوجها وهو الذي يحدد الحدود التي تصل إليها في الحديث عن نفسها. وشدد الزائري على أن الاعتدال في البوح هو ما ينصح به بعض العلماء في علم النفس فالصمت المطلق قد يجعل السيدة في عالم منعزل وقد لا تستفيد من خبرة السيدات الأكثر خبرة منها في العلاقات الزوجية والمشاكل العائلية والعملية. أما الانفتاح الكامل فهو غير محبب لأنه يجعل السيدة عرضة لخسارة علاقتها الزوجية فربما يتصادف وجود سيدات على قرابة أو معرفة بزوجها ويقمن بنقل حديثها لزوجها أو أحد أفراد أسرته وهذا يعرضها للمشاكل والانتقاد وربما يتسبب في حدوث الطلاق.

وأضاف: قد تكون مشاركة الأسرار أحيانا نوعا من إعطاء الثقة بين بعضهن البعض فكل واحدة تعرف أسرار الأخرى وبالتالي تشعر بالطمأنينة وأنه لن يتم إخبار أحد بأسرارها. والحقيقة أنه لا توجد ضمانات لدى السيدات اللاتي يتحدثن عن أسرارهن الزوجية فقد تنقلب صديقة اليوم إلى عدوة في الغد ويصبح من السهل الإساءة وتشويه السمعة.