لا أعلم لماذا تسيطر على عقلي هذا المساء فزاعة الحروب وهوس الأسلحة وإدمان أخبار الإرهاب والقنابل. ربما لأنني، وبالتقريب أكمل اليوم الثاني على التوالي أمام نشرات الأخبار دون مغادرة منزلي في حالة ـ بيوتية ـ نادرة، حتى ما اخترته من الكتب على طاولتي لم يخرج من خيارات الدمار. قرأت لكم هذه المعلومة الصاعقة من كتاب ـ أرقام تحكي العالم ـ لمحمد صادق مكي أن حجم النفقات العسكرية العالمية تجاوز الألف مليار (تريليون) دولار عام 2004، نصفها في الولايات المتحدة، التي لا تزال ميزانيتها ترزح تحت عبء محاربة الإرهاب، وفقاً للتقرير السنوي للمعهد الدولي لأبحاث السلام في أستوكهولم. وللمفارقة أن توزيع هذا الرقم المذهل على سكان الأرض قد يعطي كل ساكن في هذه المعمورة 162 دولاراً في العام، وللمفارقة الأخرى فإن 15% من سكان كوكب الأرض يعيش أحدهم على أقل من دولارين في اليوم و5% منهم أيضاً من يعيش على نصف دولار أيضاً.
تدهشني هذه المتناقضات التي تفوق الوصف: هذا العالم ينفق من جهة ألف مليار دولار على السلاح، بينما على النقيض، إن صحت الإحصاءات، فإن 300 مليون فرد في ذات العالم أيضاً يعيش أحدهم على أقل من نصف دولار في اليوم. كيف يمكن أن تقرأ ـ التريليون ـ وأن تقرأ بجواره أيضاً نصف دولار؟ تقول الأرقام أيضاً إن بالعالم اليوم 30 ألف رأس نووي ما بين الاستراتيجي والتكتيكي وإن الدول التسع، أو الثماني، المعلنة لامتلاكها هذا السلاح قد أنفقت منذ عام 1944 حتى اللحظة 12 تريليون دولار لتطوير وصيانة وسلامة منشآت هذه التقنية. ومن بين هذه التريليونات وهذه الآلاف من الرؤوس فإن ذات العالم لم يستعمل منها سوى قنبلتين بدائيتين فوق نجازاكي وهيروشيما ثم اكتشف العالم أن المسألة مجرد سلاح ردع سيبقى من الخيال البشري أن يتمكن العقل المعاصر من استخدمه رغم هذا الإنفاق الخرافي المستحيل أيضاً تصوره على ذات الخيال البشري. تقول التوقعات إن الحرب العالمية الرابعة، بعد النووية الثالثة ستكون بين أفراد هجين محدودين من بقايا الناجين ولكن بالحجر والعصا، فلماذا إذاً هي حرب عالمية رابعة؟ لأن العالم يومها سيكون بضعة أفراد من بقايا أيديولوجياتنا المتناحرة.