يتجدد الحديث عن عمر الثروة النفطية ومستقبلها مع كل تقلب في أسعاره، سواء كان عن طريق إيجاد بدائل للنفط أو وصول الإنتاج النفطي للذروة. وسبب أهمية هذا الطرح ينبع من كون الثروة النفطية داعما أساسيا للاقتصاد الوطني، إذ يعد المخزون الذي تحويه أراضي الوطن مخزونا استراتيجيا للوطن والعالم أجمع. ولذلك فإن السياسة التي تتعامل مع هذه الثروة عليها أن تكون شاملة ووافية لكافة جوانب صناعة الطاقة، ويجب أن تبنى على ثلاث دعائم تشمل الدعم اللازم لنفقات الميزانية السنوية للدولة والتكاليف البيئية وأخيرا إطالة عمر هذه الثروة ليستفيد منها أكبر عدد من أجيال الوطن.

إن أهم ميزات مخزوننا النفطي هو النفط الرخيص، لا في سعر بيعه، بل في تكلفة استخراجه، وهذا النفط الرخيص يعد مكونا أساسيا في الميزة الاقتصادية التي تتمتع بها صناعتنا البتروكيماوية، الأمر الذي يضيف سببا إلى كونه ثروة لا تقدر بثمن، فاستخدامات النفط تتعدى كونه المصدر الرئيس للطاقة، إذ يستخدم لإنتاج كافة ما يحيط بنا في حياتنا اليومية من أجهزة ومعدات. وحتى بالنسبة لاستخدامه الرئيسي في إنتاج الطاقة، فالنفط سيبقى مصدرا للطاقة حتى لو اكتشفت بدائل جديدة لها طالما أن تكلفة استخراجه متدنية، وأقرب مثال على ذلك استمرار استخدام الفحم الحجري لإنتاج الكهرباء في أميركا وأوروبا والصين.

يقول الدكتور أنور أبو العلا في نهاية مقاله "وداعا للبترول الرخيص": "إن الدول التي تستطيع أن تحافظ على بترولها الرخيص للمستقبل مهما طال الزمن ستكون هي الرابحة في آخر المطاف لأن البترول خير مستودع للقيمة".

ويتم الحفاظ على النفط الرخيص لأطول فترة ممكنة عن طريق استخدام ثلاث وسائل تعمل جنبا إلى جنب، الأولى هي استخدام حقول النفط الأعلى تكلفة لتلبية الطلب العالمي، فالأسعار الحالية المرتفعة للنفط تتيح لنا رفع التكلفة، وإضافة إلى ذلك فإن الإنتاج من الحقول المنخفضة التكلفة سيرفع من تكلفتها لاحقا حال وصولها إلى ذروتها واستنفاد أكثر من نصف المخزون. والوسيلة الثانية هي تأسيس صندوق لاستثمار الفوائض المالية النفطية، بحيث يضيف هدفا جديدا إلى جانب الاستقرار المالي، وهو تنويع مصادر الطاقة، فيقوم الصندوق بموجب ذلك الاستثمار في وسائل الطاقة البديلة للحفاظ على مكانة المملكة كدولة رائدة في صناعة الطاقة، إلى جانب تخفيض استهلاكنا المحلي غير الكفء من النفط. أما الوسيلة الثالثة فهي العمل على تخفيض سعر برميل النفط الذي تتعادل عنده الميزانية العامة للدولة عن طريق تنويع مصادر الدخل وترشيد الاستهلاك.