سمعت عن رامي مخلوف من سوريا أنه أعلن التوبة والإنابة إلى الله، ولبس مسوح القديسين، ونذر أن يحج إلى مكة حافياً مثل ملك ألمانيا من العصور الوسطى، وأنه قرر أن يتحول من زعيم المافيا إلى شيخ الفقراء والمساكين، فيتبرع بكل المليارات التي غنمها من الصفقات السرية فيضعها في مشاريع خيرية.. لا أدري ما الذي حرك في ذهني قصة قديمة من كتاب كليلة ودمنة كنت أرويها لبناتي في صغرهن عن الأسوَد وهو الثعبان الغليظ ما يقرب من الأناكوندا أو البوا والصل والأصلة، وملك الضفادع، تقول الرواية: زعموا أن أسوداً ضرب في العمر وشاخ، وكان يعتمد في أكله على بركة احتشدت فيها الضفادع؛ فكان لضعفه وعجزه إن أراد أن يلتهم الضفدع قفز فعجز الأسود الشيخ الواهن عن مطاردته، فركبته الكآبة وعلاه الوجوم في مصير حياته وسوء المآل، فبينما هو في هذه الحالة إذ تقدم إليه ضفدع بحذر فقال أيها الحنش الكبير ما بالك هكذا حزيناً مطرقاً؟ قال لقد حلت علي لعنة لا قدرة لي على دفعها، فاقترب منه الضفدع أكثر وهو مسرور بخبر نكسة هذا الوحش الضاري المفترس، وقال حسناً قص علي خبر لعنتك فلسوف يفرح بها ملك الضفادع حين أخبره. قال الأسود آه ماذا أروي لك؟ لقد تتبعت يوماً أحد إخوانكم من بركة الضفادع فقفز أمامي فتتبعته حتى دخل بيت ناسك. أصاخ الضفدع السمع وقال تابع... تابع، قال فبينما أبحث عن الضفدع إذ بي في الظلام استشعر بإصبع غلام صغير هو ابن الناسك فلحسته بطرف لساني، ولطراوته ونعومته قلت لا شك إنه جلد الضفدع الرقيق فلدغته، فصاح الطفل فعرفت أنني أخطأت هدفي فمات الغلام مسموماً، ولحق بي الناسك فهربت فصرخ بأعلى صوته: كما حرمتني من فلذة كبدي فأنا أدعو الله عليك أن يلعنك في ليلك ونهارك، وتصاب بالعجز والضعف، وتركبك الشيخوخة فلا تستطيع أن تأكل من أقرب شيء إليك. قال الضفدع المستمع بشغف وهو طرب من الأخبار السارة التي حاقت بهذا الثعبان الخبيث قال حسناً ثم ما الذي جرى؟ قال مباشرة كأن الشلل ركبني فإذا أردت أن اقترب من أحد الضفادع من شعبكم الكريم عجزت فلم أستطع التقامه والتهامه، فهذا خبري وحالتي. فرح الضفدع بالقصة فسارع يروي الخبر في سبق صحفي إلى ملك الضفادع، لم يصدق ملك الضفادع مثل هذا الخبر السار فسارع ليجتلي الأمر بنفسه فرآه كما أخبر الضفدع المخبر، فسلم عليه وقال كيف أنت صديق البركة والغابة والحمد لله الذي أذلك وكسر عودك! فالتفت الثعبان الكبير إليه مكسوراً وقال بل أدلك على شيء أفضل من هذا، قال وما هو؟ قال إن أصبح مركوبك ليلك ونهارك، فتفرح بمثل هذا المركوب العظيم الذي تحول من وحش كاسر إلى مركوب هنيء. فكر ملك الضفادع وقال فعلاً إن هذا الأسود يشبه سيارة المرسيدس الليموزين، ثم ما لبث أن اعتلى ظهره مسروراً وقال طوف بي بين الضفادع فيصفقوا لي ويفرحوا بمآلك ومالك، ثم إن الأسود أصبح مركوب ملك الضفادع المفضل بالعشي والأبكار، يصرخ عليه أن هلم وانقلني هنا وهناك.. وهكذا سار بها من أعالي الشلالات إلى أعالي الشجر بدون كلل، حتى كان ذلك اليوم وقال له سيارتك بحاجة لبنزين مولاي، قال وما هو؟ قال أن تطعمني من الضفادع الكثيرة التي تمتلئ بها بركة الماء هنا ببركة. قال ملك الضفادع لك ذلك. ثم أمر بالإعدام في كل يوم لضفدعين بائسين يلتقمهما الأسود الغليظ. وهكذا مرت الأيام والحنش يلتهم شعب الضفادع من جديد، ولكن مقابل ركوب ملك الضفادع على رقبته.. حتى انقلبت السنة وقد فرغت بركة الماء من الضفادع، فقد كان الخبيث يأكل العشرات بعد التهام الاثنين، حتى كان ذلك اليوم الذي تحركت شهيته بعد أن سمن ملك الضفدع وترهل فالتفت إليه وقال: يا صاحبي علينا أن نودع بعضنا البعض، وشكراً على الضيافة، ثم أدار عنقه، فخنق الملك والتهمه في أفضل وجبة.. فهذه هي قصة رامي مخلوف وخالف ومخالف التائب المنيب.