- 1-

لم يمض على قيام الثورة السورية الشعبية غير ثلاثة أشهر فقط منذ 16 /3 /2011، حتى قام الرئيس الأسد بإلقاء ثلاثة خطابات لم تلقَ من المعارضة غير الرفض، ولم تلقَ من الرأي العام العالمي ودوائر صُنع القرار العالمي غير الاعتراض، وعدم الترحيب. فقد اعتاد الرئيس الأسد ألا يخطب إلا في المناسبات القومية الكبرى. لقد اعتاد الشعب السوري واعتادت بقية الشعوب العربية الأخرى، على مثل هذه الخطابات. وهي في الغالب تُقسم إلى قسمين:

1- الخطابات السنوية في المناسبات الوطنية المختلفة ويكون كلامها، وتكون لغتها معتادةً، ومحتواها مكرراً، لا جديد فيه.

2-الخطابات الاستجدائية التي يلقيها الحاكم في الأزمات التي تعصف بالوطن، وتكون ملأى بالوعود، وباستجداء المعارضة، بأن تهدأ، وتتخلص من الأيدي "الخارجية الخبيثة"، مع الوعد بتشكيل لجان متعددة لإدرار اللبن والعسل للمواطنين العطاش منذ زمن طويل، الذين لم يروا من الحكم طوال سنوات طويلة غير الفساد.

-2-

الخطاب الأخير قبل أيام – وهو الخطاب الثالث منذ 16 /3 /2011- للرئيس السوري، لم يخرج عن كونه جراباً من الوعود المعسولة، أو (خُرْجْ) كما يقول السوريون. وكان تعليق الأغلبية من الشعب السوري في الداخل والخارج على خطاب الأسد: (حُطْ في الخُرجْ) أي بكل بساطة ووضوح: (كلام فاضي) لا جديد فيه، ولا يقدم، ولا يؤخر. وإنما هو محاولة ثالثة لاحتواء الثورة الشعبية السورية التي عمت كافة أرجاء سورية، بل وخرجت إلى الخارج بنزوح أكثر من عشرة آلاف سوري إلى تركيا، يتنسمون فيها هواء الحرية، ويجدون فيها فرصة للشكوى، عبر شبكة المراسلين الأجانب.

-3-

فلماذا قال الشعب السوري في الداخل والخارج (حُطْ في الخُرجْ) تعليقاً على خطاب الأسد الأخير، كما قال تعليقاً على الخطابين السابقين منذ 16 /3 /2011، ومضى الشعب السوري في ثورته مؤكداً على إسقاط النظام؟ ولماذا رفض المجتمع الدولي، ودوائر صُنع القرار هذا الخطاب أيضاً؟ هناك أسباب كثيرة، رصدت جزءاً منها جريدة "إيلاف" (22 /6 /2011) على النحو التالي:

1- أن الخطاب جاء متناقضاً ومخجلاً وغير مقبول، وقد رفضه الشعب عبر مسيرات خرجت في مدن عدة، مثل دمشق وحماة، فيما واصل النظام حملة اعتقالاته للمتظاهرين. وقال القيادي في "حزب الشعب" المعارض، فائق المير من سورية "إن مظاهرات ضخمة جرت في منطقة المزِّة في دمشق، وفي مدينة السلمية التابعة لمحافظة حماة بعد خطاب الرئيس. فمدينة السلمية شهدت مظاهرات ضخمة بعد خطاب الأسد، وقال: "بعدها قام النظام باستحضار (شبيحته) أي (البلطجية)، وعناصر الأمن من محافظة حماة لإخماد المظاهرات".

2- قال ناشطون سوريون "إن خطاب الأسد جاء متأخرًا ومخيباً للآمال." وقال الناشط السياسي السوري سلام الشواف "في الواقع لم أصل إلى نتيجة بعد سماعي كل ما جاء في خطاب الأسد"، واعتبر "أنّ الخطاب لا يُفسَّر، لأنه غير قابل للتفسير، ويحوي الكثير من التناقضات، وفيه لعب على مشاعر المؤيدين إن كان هناك مؤيدون"، وقال عضو المنظمة الوطنية لحقوق الإنسان في سورية، شادي الخش: "إنّ الخطاب مرفوض جملة وتفصيلاً"، وأضاف: "لو كان هذا الخطاب هو الخطاب الأول لحاولت أن أفهمه، أما أن يكون الخطاب الثالث، ومع دخول الثورة شهرها الرابع، فهو خطاب غير مقبول".

3- إنّ "خطاب الأسد لم يأت بجديد، وكان مخيباً لآمال السوريين عموماً، والأكراد خصوصاً". كما قال القيادي في الحزب اليساري الكردي في سورية، شلال كدو. وأشار إلى "معرفة المراقبين المسبقة، بأن هذا الخطاب سوف لن يأتي بشيء من شأنه أن يفتح الآفاق أمام الحلول السياسية للأزمة السورية التي تتفاقم يوماً بعد آخر، بسب تغليب النظام لغة القمع، والتنكيل، والقتل، والسحل، على لغة الحوار السياسي، الأمر الذي أدى إلى انسداد الأفق السياسي بشكل شبه كامل". كما رفض "ائتلاف شباب الثورة السورية الحرة" وعود الرئيس الأسد. وقال تصريح صحفي باسمه: "إن خطاب الأسد الثالث تعبير عن أزمة يعاني منها النظام، وأهمها أزمة فهم الواقع، وإدراك مطلب الشعب في الحرية".

-4-

أما على الصعيد الدولي، فبعد فراغ الرئيس السوري من إلقاء خطابه، سارعت كل من الولايات المتحدة وتركيا في انتقاده، وطالبتا دمشق بوقف العنف وتطبيق فوري للإصلاحات، بينما اعتبره الاتحاد الأوروبي مخيباً للآمال، ورفضته دوائر شعبية سورية. وقال الرئيس التركي عبد الله غول: "إنه كان يجب على بشار الأسد أن يكون أكثر وضوحاً بخصوص الوعود بالإصلاحات التي قطعها في خطابه الأخير، وإن عليه أن يحول سورية إلى نظام تعددي حزبي".

وعبَّر الاتحاد الأوروبي عن خيبة أمله في خطاب الرئيس السوري. وفي بيان صادر عن وزراء خارجية دوله عقب إلقاء الأسد خطابه، ووعد الاتحاد الأوروبي باتخاذ "خطوات حثيثة" لتوسيع نطاق القيود التي يفرضها، "مستهدفا تحقيق تغيير جوهري للسياسة التي تتبعها القيادة السورية دون تأخير".

وصرح دبلوماسيون من الاتحاد بأن العقوبات الموسعة التي تشمل تجميد أموال مزيد من الأفراد، وفرض قيود على مزيد من الشركات المرتبطة بأفراد ذوي صلة بالقمع؛ من المتوقع أن تُقرَّ في وقت لاحق هذا الأسبوع. وأخيراً وصف وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ الخطاب بأنه "غير مقنع"، قائلاً: "إذا كان للرئيس الأسد أن يستعيد أية مصداقية، فالشعب السوري بحاجة لأن يرى عملاً ملموساً، وليس وعوداً غامضة".

كما وصف وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه القمع في سورية بأنه "غير مقبول"، وقال: "إن الأسد فقد شرعيته". فهل لهذه الأسباب التي يتفق فيها الداخل مع الخارج، والخارج مع الداخل، يرفض الجميع خطاب الأسد؟