الأوامر الملكية الأخيرة تعكس اهتمام وحرص خادم الحرمين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود ـ حفظه الله ـ على توفير فرص الحياة الكريمة لأبناء وبنات وطنه، وهو امتدادٌ لاهتمام الدولة أعزها الله منذ عهد المؤسس الملك عبدالعزيز آل سعود ـ رحمه الله ـ .

في كل مناسبة يحرص الملك عبدالله على التأكيد على أهمية إنجاز المشاريع في وقتها، وعلى توفير فرص وظيفية كريمة لأبناء وبنات الوطن، وعلى توفير السكن المناسب للعائلات السعودية، وغيرها من الاحتياجات الضرورية والأساسية للشعب، حرصا واهتماما لا يشك فيه أي مواطن، بل إن الجميع الصغير والكبير، المرأة والرجل، يتوقع ويأمل الكثير من القائد الملك عبدالله بن عبدالعزيز سلمه الله.

مع هذه التوقعات والطلبات من أبناء وبنات الشعب وهي طلبات مشروعة ومبررة، ومع ما نرى من أوامر ملكية واعتمادات ملكية، تبقى عملية ترجمة هذه الأوامر وبلورتها إلى مشاريع تنفيذية المطلب والمؤشر على نجاح هذه المبادرات الشريفة والوطنية. فالدولة تبذل وبسخاء في سبيل رقي ورفع مستوى الوطن والمواطن، وما أرقام الميزانيات المخصصة لمشاريع التنمية إلا شاهداً حاضراً لما تبذله القيادة للوطن.. فكيف نضمن نجاح نقل وتنفيذ الأوامر الملكية في جميع المجالات إلى واقع ملموس، سواء كانت في القضاء على البطالة، أو في بناء وحدات سكنية وغيرها، على أساس جدول زمني يتم الالتزام به ومعايير أداء يتم تحقيقها؟ وكيف نضمن تحقيق الأهداف المرجوة من هذه المشاريع؟ وكيف نحقق الاستخدام الأمثل للميزانيات المخصصة لهذه المشاريع؟ وكيف نضمن سد الفجوة الموجودة بين السلطة التشريعية والقيادية للدولة والأجهزة التنفيذية الحكومية؟

في الأوامر الملكية الأخيرة تم وضع جدول زمني لتنفيذ المشاريع المحددة، وهو أسلوب عملي وخطوة مهمة ومطلوبة في أسلوب العمل المؤسساتي الذي نحتاج إليه في هذه المرحلة التاريخية، خطوة أولى يتبعها عدد من الخطوات الضرورية حسب العمل المؤسساتي، أهمها إنشاء جهاز أعلى يُعنى بالتطوير والإشراف على تنفيذ مشاريع التنمية في المملكة، مشاريع تنقل الوطن من الأمس إلى المستقبل، مشاريع متى ما تم تنفيذها على أحسن وجه فسوف ترقى بالمملكة إلى مصاف الدول المتقدمة في جميع المجالات، وأهمها تنمية الموارد البشرية.

وتأتي أهمية وجود جهازٍ أعلى للتطوير والإشراف والمتابعة ضرورية لسد الفجوة التنظيمية والتشريعية والرقابية بين القيادة العليا والأجهزة الحكومية التنفيذية من ناحية؛ وتوفير أداة إشرافية ورقابية مساعدة للقيادة العليا من ناحيةٍ أخرى، بحيث يعمل هذا الجهاز على توفير مؤشرات أداء فورية ودقيقة عن وضع وسير المشاريع والخدمات بأنواعها، مع توفير معلومات فورية في حالة وجود مخاطر في أي مشروع، مشاريع السعودة، والتنمية البشرية، والتعليم، والصحة، والمدن الاقتصادية، وتنويع مصادر الدخل، ومكافحة ارتفاع أسعار المواد والسلع والخدمات الأساسية. والمرافق العامة تمثل بعض المشاريع التي تتطلب متابعة دورية من قبل القيادة العليا، ولكن ليس بشكل تفصيلي، وليس من خلال ما يقدم من تقارير من قبل الجهات الحكومية التنفيذية، وإنما من خلال مؤشرات أداء شاملة وإجمالية تقدم لمقام خادم الحرمين الشريفين بشكل يومي من قبل الجهاز الأعلى التابع للقيادة والمسؤول عن توفير هذه المعلومات عن كل مشروع.

وكما في الدول المتقدمة، يقدم الجهاز الإشرافي الأعلى لمقام الدولة عدداً من مؤشرات الأداء، مع مقارنة زمنية لكل مؤشر، ومؤشرات المخاطر لكل مشروع وخدمة، التي يتم بناءً عليها اتخاذ القرارات اللازمة والتدخل المناسب، ومنها على سبيل المثال:

1ـ مؤشر البطالة الشهري (أو الأسبوعي). ويعمل هذا المؤشر على تقديم نسب البطالة للبنين والبنات، بعد التأكد من صحة واكتمال هذه البيانات. فحالياً تشير إحصاءات وزارة العمل إلى أن نسب البطالة تصل إلى (10%) أو (450) ألف عاطل، بينما المسجل في برنامج "حافز" يصل إلى أكثر من (2) مليون عاطل عن العمل، فأيهما الصحيح؟ أم أن كلا الرقمين خطأ، مما يتطلب إعادة النظر في مصادر المعلومات، وكذلك طريقة تحديد العاطل عن العمل. والمتوقع أن نسب وأرقام البطالة أعلى بكثير مما هو معلن حالياً.

2ـ مؤشر مشروع السعودة (شهري). وهنا يتم الرجوع إلى مشروع السعودة الصادر بقرار مجلس الوزراء رقم (50) من عام 1415 هـ، الذي نص على زيادة نسب السعودة بـ (5%) سنوياً، وهو ما يعني سعودة القطاع الخاص تماماً، إلا أن هذا لم يحصل، بل إن نسب السعودة قلت، ونسب العمالة الأجنبية زادت.

3ـ مؤشر الأداء في المدن الاقتصادية. كان من المفترض حسب ما التزمت به هيئة الاستثمار الأجنبي عام 2006 توفير أكثر من مليون وظيفة للمواطنين؛ إلا أن ذلك لم يحصل، فلا مدن اقتصادية ولا وظائف، ويبدو أن المليون وظيفة في طريقها إلى العمالة الأجنبية.

4ـ مؤشر أسعار المواد الغذائية والسلع الأساسية (اليومي). وهذا المؤشر مهم ويشغل بال جميع الدول، حيث إن له تأثيرا مباشرا على قدرة الفرد والعائلة على تحمل أعباء الحياة اليومية، مما يتطلب المتابعة اليومية والتدخل المباشر لكبح أطماع وجشع بعض التجار، وأصحاب المصالح الخاصة.

5ـ مؤشرات الأداء الأخرى للتنمية البشرية، وتطويرالخدمات الصحية والتعليمية، والكهرباء والمياه والصرف الصحي والاتصالات.

كلنا نعلم مشاغل ومسؤوليات الملك ـ حفظه الله ـ الجمة على المستوى الداخلي والخارجي وشغلها لجل وقته، وفي ظل هذه المعطيات فإن نظام مؤشرات الأداء يقدم المعلومة الشاملة والمختصرة وخلال وقت محدود جداً، وهذا أمل ومستقبل الوطن، والملك عبدالله في عين وقلب الوطن.