تبقى على الكرة الإسبانية خطوة واحدة حتى تصبح الكرة العالمية الثالثة في تاريخ اللعبة التي حققت جميع مسميات البطولات لكرة القدم بعد الكرة الأرجنتينية والفرنسية، وهي بطولات كأس الأمم القارية وبطولة كأس العالم والميدالية الذهبية لدورة الألعاب الأولمبية الصيفية وبطولة كأس العالم للناشئين وبطولة كأس العالم للشباب.

والحقيقة أن الكرة الإسبانية تستحق كل هذه البطولات عطفاً على ما أظهرته المنتخبات الإسبانية على مختلف مستوياتها ودرجاتها في العشرية الأخيرة تحديداً, ويعزز كل ذلك عالمياً الحضور المذهل الذي يرسمه وينفذه على أرض الواقع فريق برشلونة بتحقيقه ما لم يحققه فريق كروي في تاريخ اللعبة, وهو ما جعل مجلة سياسية رصينة بمكانة مجلة نيوزويك الأميركية تضع هذا الفريق أعظم فريق كروي على الإطلاق عرفته اللعبة في مشوارها المديد الذي تجاوز أكثر من قرن ونصف القرن. سنحصر حديثنا في لعبة واحدة، وإلا فإن الحديث سيطول ويطول عن بقية الرياضات التي تعملق رياضيو إسبانيا فيها بالمحافل الدولية بصورة أبهرت الجميع, وأثارت الإعجاب والتقدير للعمل الدؤوب الذي قامت به الأولمبية الإسبانية.

مساء السبت الماضي أحرز منتخب إسبانيا لكرة القدم تحت (21 سنة) بطولة كأس أمم أوروبا في هذه المرحلة العمرية بفوز صريح ومستحق أنجزه بتفوق عناصره البارز في النهائي الرائع على حساب منتخب سويسرا المتألق. وقدم شباب الكرة الإسبانية في البطولة مستويات لافتة, إلى درجة أنك وأنت تتابع عناصر المنتخب الإسباني البطل كأنك تتابع أفراد المنتخب الأول بقيادة تشابي وانييستا وديفيد فيا وتوريس وكاسياس وراموس وكارديفيا وبويول وبيكيه وبيدرو وخافي مارتينيز وألونسو وبوسكتس. وهنا تكمن روعة الحضور الإسباني بالنسبة للمتابع وراصد الكرة العالمية والنقلات النوعية التي تعيشها من مرحلة إلى أخرى, إذ تجد هناك خيطاً رفيعاً يفصل بين المنتخبات السنية الإسبانية دونا عن غيرها, فالأداء رفيع ومذهل, والمهارات تبهج وتضيف ذائقة جديدة, والنضج التكتيكي واحد وواضح, وكأن اللاعب الإسباني يبدأ خطواته بالملاعب وهو يعرف ما هو المطلوب منه بالدقة والمهارة وتنفيذ لا يخلو دوماً من الابتكار إن كان هذا اللاعب مع ناديه أو منتخبات بلاده بصورة قلما نجد لها مثيلا في هذه الألفية.

وكما شد لاعب مبهر مثل تشابي هيرنانديز عشاق اللعبة في كل مكان, ها هو النجم الشاب القادم بقوة تياغو ألكانتارا – 19 سنة – من خريجي أكاديمية لا ماسيا الشهيرة منجبة عباقرة الكرة العالمية في العقدين الأخيرين.

وعندما تتذكر كاسياس كحام لعرين لا روخا فإنك تجده أمامك متمثلاً في الحارس الجديد للمان يونايتد الإنجليزي وفريق اتلتيكو مدريد سابقا دي خيا الذي لم يتجاوز العشرين من عمره, وينظر إليه المدرب الأسطورة ألسكس فيرجسون على أنه أمل حراسة المرمى في المان يونايتد بديلا للهولندي فان دار سار الذي اعتزل نهائياً بعد نهائي دوري الأبطال لهذا العام, وأنت تتذكر تشابي ألونسو كمحور دفاعي صلب يبرز أمام ناظريك لاعب ذو إمكانيات رهيبة هو نجم اتلتيك بلباو، قائد المنتخب البطل خـافي هيرنانديز، ونمـــاذج أخـــرى تتراءى لك حــين تفحص بطل أوروبا تحت (21 عاماً).

هذه الظاهرة الكروية العالمية الماثلة للعيان، ألا تصلح أن تكون نموذجا لكرتنا العربية ومنطلقاً لتطويرها وتحديثها لمواكبة العصر لاسيما أن هناك تقارباً كبيراً بين اللاعب العربي والإسباني من حيث التكوين البدني والمهاري بدرجة (ما), فضلاً عن الحميمية التي يحتفظ بها الإسبان لنا كعرب ومسلمين من نواح عدة منذ مجيء ملك إسبانيا الحالي خوان كارلوس الذي مد جسور التعاون مع الوطن العربي ومنح مساحة كبيرة للشعب لإبراز قدراته وإمكانياته بعد معاناة عشرات السنين تحت مظلة حكم الديكتاتور سيء السمعة والسجل والتاريخ فرانكو.

علينا اغتنام نجاحات أصدقائنا الإسبان واستيرادها إلى منتخباتنا الوطنية, والعمل على استقطاب الكفاءات الإسبانية لرسم خطوات بعيدة المدى كما فعلوا ونجحوا بعدها وهيمنوا على الكرة العالمية, وسيستمرون لسنوات طويلة.