" الابتسامة تطيل العمر"، "الابتسامة في وجه أخيك المؤمن صدقة "، عبارات مازالت ألسنتنا ترددها، وتلهج بذكرها بين الفينة والأخرى، ولكنها لا تعدو أكثر من كونها كلمات حبيسة "اللسان" تأتي في إطار التوجيه والإرشاد إلى أهمية الابتسامة وما فيها من فوائد تعود على الإنسان بالنفع على المستوى السيكولوجي أو البيولوجي.
وبالمقابل تجد أن "التعبيس" أو "التكشير" له كلمة الحضور الدائم، سواء في الدوائر الحكومية، أو في الأسواق، وما يصاحبه من ظاهرة" التحديق" أو ما يسمى "البحلقة" أو "الشفاحة" سموها ما شئتم، وهي إمعان النظر والتركيز في وجوه الآخرين من دون داع، وخصوصاً عند الإشارات المرورية، أو المطاعم..، ولا أبالغ أنني إذا كنت في زيارة لدولة غربية وأريد معرفة العربي من غيره، أعرفه من نظراته للآخرين ممزوجةً بنكهات "التعبيس".
إنه أمر يدعو للغرابة: إذا كان الإنسان الطبيعي مرحا بالفطرة، والابتسامة الصادقة المرسومة على شفاهه تبني المحبة والمودة بين القلوب، فلماذا الحالة العامة في مجتمعاتنا هي "التعبيس"؟ ولعله حتى إذا ابتسم أحدهم بابتسامة عريضة تجد أنه مكتوب ٌعلى محياه "اللهم اجعله خيرا" أو"اللهم اكفنا شر هذه الضحكة".
والأغرب من ذلك، تجد مناسبات أفراح وأعياد، ولكن في ذات الحال مازالت علامات "التكشير" بادية على قسمات وجوه الحاضرين وكأنهم يريدون القول "إننا جئنا لأداء واجب اجتماعي لا أكثر"، حتى أصبحت هناك بعض النصائح الغريبة وخصوصاً في عالم النساء من قبيل "المرأة الجميلة إذا تزينت في محفل نساء تكفيها نصف ابتسامة حتى تكون لها هيبة"، أو في عالم التربية والتعليم في مخاطبة طلاب المدارس وعبارة "ليش توزع ابتسامات"، إن الواقع يسير باتجاه تكريس ثقافة "التعبيس" فما هو السبب؟
لعل البعض يعزو الأسباب إلى العواصف والأزمات التي تترك عاماً بعد عام آثارها سلباً على الحياة العربية شعوباً وأفراداً، وتزيد حجم المعطيات التي تسلب طاقة الفرح من صميم الحياة، خاصة أن المآسي العربية أصبحت عابرة للبيوت من خلال الفضائيات التي تتسابق على بثها لحظة بلحظة، ومعاناة المواطن في نقص البنى الخدمية الأساسية ومشاكل الفقر، والبطالة، والتعليم، والسكن، الأمر الذي يشعر المواطن في كل مكان بأن الحزن قدر عربي بامتياز، وكأننا نتحدث عن دراما تراجيدية صامتة بطلها الإنسان العربي ينتظر الفرح فيها ولكنه لا يأتي؟
وتبرز أمام رغبتنا في إشاعة ثقافة الفرح والابتسامة تحديات كبيرة، فأناشيد الموت، ورثاء الموتى والشهداء تطغى على مساحات الإعلام، إلى جانب الخطاب السياسي المتشنج وتحليلات المحللين اليائسة، ونذر الدعاة بعذاب القبر، وإهدار الدم، وتقتصر معظم نشرات الأخبار لدينا على صور المآسي والمذابح وأخبار الأنشطة الإرهابية، وتُهمل أخبار الحياة وفعالياتها الأجمل ومكتشفات العقول الحرة المبدعة التي تسعد الإنسانية، فلم نعرف منال الشريف مثلاً المرأة التي حصلت على جوائز إبداعية، ولكننا عرفناها في مصيبة عظيمة وهي قيادة السيارة!
إنني أتساءل: هل الحياة على كوكب الأرض بهذه القتامة والفظاعة التي يصورها المحللون في تعاطيهم مع الأحداث؟ ألا يستحق المواطن في عالم الأحزان أن يطلع على آخر إنجازات الفنون والإبداعات ليست تلك التي تقتصر كما يفهم أحياناً على المجالات الأدبية أو الفنية، وإنما إبداع الكائن لحياته في النهوض بعد الكبوات، لتنفتح أمامه سبل الأمل ويحفزه تقدم البشرية على تجاوز كوارثه بدل الاستسلام لها، والعمل على صنع حلول للأزمات، والمشاركة بفعالية في إنتاج المعرفة والعلوم، وهو ما يجعل من الحياة مرادفاً للفرح.
نعم.. إنه الأمل وهذا ما رأيناه في الشعب المصري، مع ما يعانيه من ضغوط والآم إلا أن النكتة اتحدت في وجوده كشعب، واستطاع أن ينجح في الثورة على الظلم بشعارات تبهج القلوب.
أما عن صناعة الفرح في مجتمعاتنا فنحن بحاجة لدور سينما، للموسيقى، والمسرح، وأماكن ترفيه، ومعارض، ومتاحف..، أما مواقع النكت والدراما الكوميدية التي يتم تداولها عبر وسائل الاتصال، كلها جميلة ومطلوبة، لكن يبقى هناك فراغ لا بد من ملئه.
وختاماً أقول: إن الفرح في الأصل ينبع من داخل الإنسان، وكأننا نتحدث عن نظارة خضراء يملؤها الأمل يستطيع مُرتدوها رؤية الوجود بكل ما فيه بصورة إيجابية لا يملك بعدها إلا أن يبتسم.