لا أؤمن بنظرية المؤامرة، وقد قاومتها، وما زلت محمِّلةً الفرد العربي مسؤولية واقعه الاجتماعي، سواءً كان مفرحاً أم كئيباً. ولكن ينتابني أحياناً شك عندما أراقب الإعلام العربي المرئي بأن هناك شيئا مّا خطأ، فكمية التفاهة التي يتعرض لها المشاهد لا يمكن تجاهلها.
فليس فقط نقل كل ما هب ودب من البرامج وكأننا لا نتقن غير النقل، بل تقليدها بحذافيرها، وبردّات فعل مذيعيها وبصورة فجة، كأن يبكي المقدمون في برنامج المواهب عندما يغني أحد المرشحين، وكأننا كعرب لا أحداث لدينا تستفز دموعنا غير شاب يغني. أو عندما تتغضن ملامح المتسابقة بجزع في برنامج "لحظة الحقيقة" عندما تسأل "هل عرفتي رجلا قبل زوجك"؟ وكأنها من ربات الخدور.
والأمر الآخر الذي غزا قنواتنا بكثافة مرضيّة هو المسلسلات التركية الخالية من المضمون، يثير عندي الشك ويحيي نظرية المؤامرة خاصة أن صناع الإعلام يدركون جيداً أن الفن ليس مجرد قصة تحكى، بل هو عرض يحمل في ثناياه قيماً وأنماطاً حياتية منوعة، وهو من أفضل أدوات العصر لتقريب الشعوب. فمشاهدة مسلسلات من دول أخرى تطلعنا على ثقافتهم وأنماط معيشتهم، وتخرجنا من فقاعة الفوقية الثقافية التي كبرنا عليها، وتجعلنا نعرف أن هناك أساليب للحياة غير أسلوبنا، وأن أصحابه يعيشون حياة عادية مثلنا تماماً، وليس في كدر وضنك كما كنا نُلقّن.
لكن مشكلة المسلسلات التركية المنتقاة لنا خصيصا لا تحمل فكراً ولا مضموناً، فهي لا ترينا سوى منازل على البحر، ونساء مياسات القد، ورجال يعانون من حبهن، فهل هذا هو واقع المجتمع التركي وهمومه أو حتى قيمه ومقاييسه؟ والمشكلة الثانية أن جمهورها الكبير هم ربات البيوت اللواتي انفصل عالمهن عن العالم الخارجي تماماً، بسبب طريقتنا الفريدة في الحياة، لتأتي هذه المسلسلات وتكمل بقية الانفصال.
أنا مع كل مسلسلات الدنيا طالما أن فيها مضمونا، فقد تابعت منذ عدة سنوات مسلسلاً باكستانياً عميقاً يعكس جزء هموم هذا الشعب الذي نخالطه في حياتنا اليومية، والذي قد يفاجأ المشاهد العربي بحجم شبهه بنا كعرب، فمن خلال الفن يمكنك أن تعرف واقع الطفل والمرأة والمواطن والفقير وتوزيع السلطات في داخل المجتمع؛ في حبكة درامية شيقة حقيقية.
أتمنى من القائمين على القنوات الخليجية الرأفة بعقل الانسان العربي، والقيام بدورهم الحقيقي، وهو الرفع من ثقافة المجتمع بعرض أشياء أكثر عمقاً في القيم والمفاهيم والمعلومات.