لئن كان مطلع هذه الألفية الثالثة موعداً لفرز حقيقي على صعيد فرق الكرة العالمية مبعثه هوية أداء جديدة وإنجازات تغيب عن فرق صالت وجالت في الألفية السابقة، فإن هذا الفرز نجده يطال المنتخبات العالمية ويغير من تصنيفها ومواقعها في سلم الأداء والمحصلة النتائجية والإنجازات على نطاق القارة ثم على نطاق الكون.
والمفارقة أن بلداً واحداً يقود هذا التغيير والفرز, وهو إسبانيا, فالمنتخب الأول حاز بطولة أمم أوروبا عام 2008، وبعدها بعامين أنجز كأس العالم لأول مرة، و قبل أيام تمكن منتخب دون الـ21 سنة من الحصول على كأس أمم أوروبا عن جدارة واستحقاق, وقبلها بأشهر لعب على نهائي أوروبا لمنتخبات الشباب وخسر من منتخب فرنسا، وكذلك الحال على مستوى الأندية، حيث هيمن فريق برشلونة على عرش الكرة المحلية والأوروبية والعالمية من حيث المكتسبات والإنجازات، وكذا على صعيد الجوائز الفردية, مما جعل إسبانيا البلد الكروي الأول عالمياً, وهو ما لم يكن قبل هذه الألفية، حيث كانت العصمة بيد الكرة البرازيلية على مستوى المنتخبات والأندية الإيطالية على مستوى الأندية.
حفزني لكتابة هذه الرؤية اليوم ما يحدث في بطولة كوبا أميركا في نسختها الـ43 التي تقام فعالياتها هذه الأيام في الأرجنتين, ومشاهدتي لـ(ديناصورات) الكرة العالمية تتراجع وتكاد تسقط أمام منتخبات يمكن أن نطلق عليها منتخبات ناشئة من حيث الهوية الأدائية والحضور القاري والعالمي, فمن يصدق قبل البطولة من سيقول باحتمالية وقوف منتخب ناشئ مثل منتخب فنزويلا أمام صاحب الرقم القياسي في كؤوس العالم وهو منتخب البرازيل؟ وأكثر من ذلك شاهدنا كيف كان (العنابي اللاتيني) يحاصر السامبا بملعبه ويهدد مرماه أكثر من مرة وبجدية واضحة وبأداء منظم وجسارة من أبناء (المعلول) الرئيس المثير هوجو تشافيز الذي يتلقى علاجه في كوبا لكنه أرسل رسالة معنوية عندما لبس قميص المنتخب تناقلتها وكالات الأنباء تحية منه قبل انطلاقة البطولة الأعرق عالمياً.
والحال كاد يتكرر مساء أول من أمس لمنتخب السامبا أمام منتخب الباراجواي لولا حالة إنقاذ بكرة من مجهود فردي من المهاجم (المسلم) فرد Fred والمباراة تلفظ أنفاسها. والحال ينطبق على منتخب الأرجنتين صاحب الأرض والجمهور الذي عانى كثيراً في لقاءيه أمام كل من بوليفيا وكولومبيا، ولم يستطع تحقيق أكثر من التعادل في المباراتين، والأسوأ من ذلك كله المستوى الجماعي السيّئ للتانجو المخيب للآمال لأنصاره بالعالم. بيد أن الوجه الجميل لبطولة كوبا أميركا وهو جانب من جوانب الفرز التي قصدتها هنا, تمثل في ذلك الأداء البديع من خلال منتخبات تشيلي وأورجواي والباراجواي.. هذه المنتخبات الثلاثة التي قدمت نفسها كمنتخبات رائعة على مستوى الأداء الفردي للاعبيها وكذلك الأداء الجماعي اللافت. ورغم أنها مرحلة أولية في البطولة وربما يكون الحكم ليس متكاملاً إلا أن تصاعد مستوياتها من مباراة إلى أخرى أعطى دلالة أكيدة على أنها قادمة إلى الأرجنتين، ليس بالأماني فقط وإنما بجدية وحرص ورغبة في صياغة الكرة اللاتينية من جديد.
ولو كانت لي أمنية في هذه البطولة لمن يحرز اللقب فإنني أولاً أتمناه للأرجنتين، وإن غاب عنها أتمناه لمنتخب تشيلي الذي أراه أفضل من يقدم كرة قدم بالبطولة إلى هذه الجولة، فمن يا ترى سيحقق اللقب الثالث والأربعين؟