لا يمكن أن أخفي إعجابي بقدرات المهندس عادل محمد فقيه الإدارية والتطويرية، وهذا ليس جديداً، فالمهندس الوزير مشهود له بالنجاحات منذ أن بدأ في توطين صناعة زيت الطعام في المملكة قبل ثلاثة عقود. المبهر حقيقة هو قدرته الواضحة على استخدام خبراته الإدارية والتسويقية في العمل الحكومي المتشبث بالبيروقراطية والروتين الممل. وأين؟ في وزارة العمل التي يكاد يجمع الكثيرون اليوم بأنها، وفي هذا الوقت تحديداً، قد تكون الأهم من بين معظم القطاعات الحكومية. كيف لا وهي ما أنيط بها مواجهة أكبر خطر يهدد هذه البلاد الغالية، تلكم هي البطالة.

قبل عدة أيام لبيت دعوة الوزير مع لفيف من كتاب الرأي وإعلاميين آخرين لحضور محاضرة له توضح برنامج "نطاقات". هذا البرنامج الذي كما قال الوزير لم يخرج إلى السطح إلا بعد أن عقدت بشأنه أكثر من أربعين ورشة عمل. وورش العمل في عقل هذا الرجل لها قصص وحكايات قد لا يتسع المقام هنا للخوض في تفاصيلها، لكنها بإيجاز خطوات يتبعها المهندس فقيه للوصول إلى أكثر الحلول قابلية للتطبيق والنجاح. خطوات يتم إشراك الكثير من الخبراء في تناول محاورها ثم يتم صهرها بواسطة ما يسمى "فوكس قروب" تراجع ما تم التوصل إليه وتدلي برأيها دون أن يكون لها مشاركة في الإعداد.

مكان المحاضرة كان فندق الفيصلية والمحاضر هو الوزير نفسه. وهذه بادرة رائعة أيضاً في نطاق العمل الحكومي، إذ دأب البعض في السابق على توكيل مدير إدارة أو متخصص من الخارج لإلقاء مثل هذه المحاضرات. هنا الوزير نفسه يضع كل المدعوين شهداء على قوله ومن فمه هو شخصياً. هذا وقد أعقب المحاضرة جلسة لتلقي الأسئلة التي لم تكن هادئة أبداً بل غلب على طابعها الكثير من التشاؤم. ولولا ثقة الرجل ببرنامجه لخرجت من تلك الأمسية متشائماً أيضاً. وأثناء تناول العشاء تنقل الوزير من طاولة إلى أخرى ليكمل الإجابات التي انهمرت عليه. هذا النوع من التفاعل مع الصحافة ومع كتاب الرأي في اعتقادي غير مسبوق بواسطة وزير في المملكة.

الذي لفت نظري أيضاً من خلال الاستماع إلى تقديم البرنامج هو الحاجة إلى تضافر الجهود في سعي الدولة إلى توطين الوظائف كما أشار معاليه. لا يمكن لوزارة العمل وحدها أن تنجح في القضاء على البطالة دون التفاعل والمساهمة المباشرة من العديد من الجهات الأخرى سواء كانت حكومية أم أهلية، وأهمها بالطبع مصداقية رجال الأعمال في السعي إلى تدريب وتوظيف أبناء وبنات البلد. ومنها أيضاً تعاون المؤسسات الحكومية الأخرى في تطوير الأداء بما يشجع المستثمرين على التنوع في الاستثمار وبالتالي فتح المزيد من فرص العمل الجديدة. ومنها، بل وأهمها، غرس الشعور لدى الجميع أن البطالة شر مستطير لن ننجح مع تفشيها في بناء وطن قادر على الصمود. بمعنى أن عدم تعاون التاجر في توطين الوظائف قد يعود عليه بالخسران المبين من خلال عدة نتائج لا نريد الخوض فيها. أهمية هذا العمل هي التي دفعت خادم الحرمين الشريفين إلى إصدار الأوامر الملكية الخاصة بالسعودة قبل بضعة أشهر، وهي أوامر تلغي ما سبقها من اللوائح والتعريفات حول العمل. وهذا ما يدفعني إلى الاعتقاد بأن من يقف في وجه العمل ومن لا يشجع على توطين الوظائف ومن يتصرف بأي طريقة أو منحى لتعطيل تنفيذ هذا البرنامج إنما يمارس أكبر درجات الأذى لهذا الوطن العزيز، وسواء أتت هذه المواقف بجهل أو بعلم. النتيجة واحدة بالطبع.

أكثر الأسئلة تشاؤماً جاءت من الزميلين حصة آل الشيخ وعبدالعزيز السماري، فحصة شككت كثيراً في نجاح تأنيث المحال التجارية المهتمة بالمستلزمات النسائية، وأرجعت هذا التشاؤم إلى أسباب معظمها ربما خارج نطاق أو سيطرة وزارة العمل. أما الزميل عبدالعزيز السماري فقد اتكأ على الإرث السابق في محاولات السعودة والمغلف معظمه بالفشل الذريع. إجابات الوزير كانت متفائلة وأكد للحاضرين أن العمل بهذا البرنامج سيزيل الكثير من مسببات الفشل السابقة.

الذي دفعني إلى كتابة هذا الموضوع هو تسليط الضوء على هذه المنهجية الجديدة في الأداء وهذا السقف العالي من تحمل المسؤولية. كم أتمنى أن يخرج زملاء الوزير في الوزارات الأخرى، وخصوصاً المعنيين بالخدمات، إلى الصحافة ويتحدثوا عن مشاريعهم بمثل هذه الشفافية وعلى هذا القدر من تحمل المسؤولية. لا يمكن للصحافة ولأرباب الإعلام إلا أن يضيفوا لهذه الفكرة أو تلك، لأننا جميعاً في قارب واحد. المشكلة في الحقيقة تكمن في عدم اطلاع الإعلاميين على الخطط مما يدفع الكتاب إلى التوجه نحو النقد اللاذع. وكما قيل الحكم على الشيء جزء من تصوره.

قبل انتهاء الوقت المعد للمحاضرة تقدمت إلى معالي الوزير بعدة اقتراحات للمساهمة في إنجاح هذه الخطط. أهمها البدء في تأسيس ما قد نسميه بـ "جوائز الدولة التقديرية للعمل". ملخص هذه الفكرة التنافس بين المؤسسات لتحديد الأفضل منها في توطين السعوديين. ومنها أيضاً ما يتعلق بالشباب والشابات أنفسهم. فقد اقترحت أن يتم انتقاء أفضل مئة موظف أو موظفة كل عام وأن يتم الاحتفاء بهؤلاء في حفل كبير برعاية والدنا خادم الحرمين. جوائز مثل هذه المسابقات قد تصل بالنسبة للموظف إلى امتلاك منزل جديد أو زواج أو سيارة أو مبالغ نقدية مجزية، وكذا الأمر بالنسبة للمؤسسات والشركات. التحفيز على الإبداع جزء أساسي في سعينا للوصول إلى الأهداف، وعلينا أن نعمل مع كلا الطرفين لتحقيق أفضل النتائج. واختتمت بفكرة قد لا تحلو للبعض لكنها من وجهة نظري هامة، ذلك أن يتم وبالتنسيق مع صندوق التنمية العقارية، وضع من هم على رأس العمل من طالبي الاقتراض في أول القائمة، بحيث يحصل على القرض قبل زميله العاطل. وعدني معالي الوزير بأن يدرس هذه الاقتراحات وقد يختار منها الأنسب إلى التطبيق والأقرب إلى الفائدة.