بات من الواضح جدا أن فهم خادم الحرمين الشريفين للإصلاح لا يتوقف عند حدود التوجيهات والقرارات الخاصة بمختلف الوزارات، ولكنه يمتد ليشمل الإدارات العليا في الدولة في مجلس الوزراء والديوان الملكي، من خلال التحديث المستمر لأجهزتها ودوائرها والسعي المتواصل لحمايتها من البيروقراطية والترهل، ولقد كانت الأوامر الملكية الأخيرة التي صدرت بضم ديوان رئاسة مجلس الوزراء إلى الديوان الملكي واعتبارهما جهازا واحدا تحت مسمى الديوان الملكي، أبرز الشواهد على ذلك.
الذهنية التقليدية في الإدارة ظلت تتصور بأن العمل الواسع والمتعدد واليومي، بحاجة لأكثر من جهاز ومن دائرة ومن إدارة، ولكن الواقع الإداري الحديث يشير إلى خلاف ذلك تماما، لأن اتساع حجم العمل، وتزايد حجم المسؤوليات إنما يستلزمان تقليص الدوائر والمسارات التي يفترض أن يمر بها، مما يسرع باتخاذ القرارات التي تجد طريقها للتنفيذ.
إذا كان الديوان الملكي هو المكتب التنفيذي الرئيسي للملك، في الوقت الذي تتعلق فيه قرارات الملك بالوزراء والوزارات، يصبح من الضروري إيجاد صيغة إدارية، يمكن لها الجمع بين مهام الديوان، وديوان مجلس الوزراء، لكي يكون مصدر العمل الإداري المعني بمتابعة مختلف القرارات الملكية مصدرا واحدا، الأمر الذي سيسهم في توحيد خطوط العمل داخل الإدارة العليا، وسيمنح متابعة وتنفيذ القرارات إيقاعا جديدا وسريعا هو الأنسب والأجدى لواقع النمو والاحتياج المتسارع على مختلف الأصعدة.
الأمانة هنا تقتضي أهمية التوقف عند الواقع الجديد الذي شهده الديوان الملكي من تطور وسرعة في الأداء واكتمال في مختلف أجهزته ولجانه، والأهم من ذلك هو ما حظي به الديوان الملكي من حماية منيعة من الترهل الإداري والكوادر غير المجدية، حتى تحول إلى ورشة عمل يومية، ويؤكد كثير من المراقبين أن لغة ومنطقا وسياسة جديدة تحيط بكافة مفاصل العمل اليومي في الديوان الملكي، مما يجعله بالفعل يتحرك وفق الطموح الملكي الكريم، الذي يرى في التعطيل والعيوب الإدارية مظاهر بحاجة للمواجهة والمجابهة، وإحلال الأنظمة والصيغ الإدارية الجديدة التي تعين على ذلك، خاصة أننا نعيش في عهد ملك لا يرضيه إلا أن يكون في قلب الحركة التنموية وبشكل يومي، وبمتابعة لمختلف التفاصيل، وتوجيه بسرعة التنفيذ، ولعل أبرز ما يؤكد ذلك أننا بتنا في المملكة العربية السعودية، نشهد قرارات وأوامر ملكية لا تتوقف عند حدود صدور القرار، والتوجيه بتنفيذه وإنما باتت تضع حدا زمنيا للتنفيذ.
سوف يحتاج هذا القرار لتعديل حزمة الأنظمة، هذا التعديل في حد ذاته، يمثل سياسة جديدة تقضي بأن الأنظمة ومواد تلك الأنظمة لا تأخذ حيويتها وقوتها إلا من كونها ذات مرونة تجعلها قابلة للتعديل والتطوير، وهي الفكرة التي لو التزم بها المسؤولون في مختلف الوزارات لما تحولت بعض الأنظمة لديهم من كونها جاءت لتدعم الإنجاز والعمل لتصبح عوائق تحول دون ذلك.
إننا أمام نموذج يقدم رسالة حقيقية لمختلف المسؤولين، تدعم ما هو قائم في النظام من أنه يحق لكل وزير التقدم بما يراه من مقترحات وأنظمة ومشروعات أنظمة من شأنها أن تعيدن أداء وزارته وتسهم في تطويرها، فها هو خادم الحرمين، بناء على توصية من نائبه الأول ونائبه الثاني يتجه لتحديث وتطوير الجهاز الأقرب والأكثر تأثيرا في إدارة القرارات والرؤى الملكية العليا، سعيا لما يسهم في تحديث أجهزة المتابعة الإدارية والمتابعة المستمرة لكل قضايا التنمية والقرارات الوطنية.
الجميع الآن بانتظار صدور التنظيم الداخلي لمجلس الوزراء، والذي سيرفع من سقف المتابعة الفعلية للعمليات التنفيذية لمختلف الوزارات والدوائر الحكومية، كما سيسهم في جعل قضايا المواطنين التي يتم رفعها للديوان بعيدة عن التأخير والتعقيدات الإدارية، بل وسيدعم أداء الوزراء من خلال قدرتهم على طرح ما لديهم من عوائق ومن أفكار ومن اقتراحات ترفع مستوى الأداء في وزاراتهم.
لقد انطلق خادم الحرمين الشريفين ـ حفظه الله ـ في عملية إصلاح يدرك أنها لا حدود لها، إلا تلبية طموح الإنسان السعودي، وهو يتجه إلى تحديث الإدارات والأجهزة القريبة والمؤثرة في القرارات العليا، ويفتح بذلك صفحة جديدة في الأداء الإداري والتنظيمي، وفق لغة تجعل من الإنجاز والعمل والشفافية أهم مفرداتها.