دخلت الرياض مستخدماً الطريق الدائري الشرقي، عندما وصلت المخرج (18) توقفت حركة المرور تماماً، أصبحت جميع السيارات عبارة عن مجموعة من السلاحف، في سباق لا فائز فيه، فهي تتوقف لالتقاط أنفاسها كل عشرين مترا. الحالة استمرت حتى المخرج (11)، أي مسافة تقارب 12 كيلومترا. قطعنا المسافة في 32 دقيقة في خط سريع يتكون من أربعة مسارات، حولها السائقون إلى ستة بجهود ذاتية.

لم يحدث الأمر خلال أيام الدراسة، وإنما في فصل الصيف عندما يسافر الكثير من سكان العاصمة لقضاء الإجازة، و هو أمر لا بد أن يستوقفنا.

طرق المملكة من أوسع الطرق في العالم. نادراً ما يشاهد هذا الحجم في أوروبا أو آسيا. يفترض أن يحد التمدد الأفقي لمدننا من مشاكل المرور. إلا أن أغلب سكان مدينة الرياض يمضون في المعدل من نصف ساعة إلى ثلاث ساعات في زحمة السير يومياً. عدد السيارات في مدينة الرياض وصل إلى مليون ونصف مليون سيارة بمعدل 1.72 سيارة لكل عائلة، بزيادة سنوية تبلغ حوالي 7%. هذا معناه أنه مع بداية العام الدراسي القادم سيكون عدد السيارات قد وصل إلى مليون وست مئة ألف سيارة "وهي إحصائيات تقريبية". وإذا كانت السيارة تقوم بست رحلات كل يوم فهذا معناه أن تتحول الثلاثون دقيقة إلى إحدى وخمسين دقيقة، وتتحول الثلاث ساعات إلى أربع ساعات وعشرين دقيقة. هذا كثير!

يسكن الرياض خمسة ملايين نسمة على مساحة تبلغ 1220 كلم مربع. بمعدل 4000 شخص لكل كيلو متر مربع. وهي نسبة معقولة مقارنة مع مدن العالم ففي لندن مثلاً يعيش حوالي خمسة آلاف شخص في كل كيلو متر مربع، بينما يعيش 8000 شخص في كل كيلومتر مربع في باريس. لماذا لا نرى هناك، ما تعيشه مدننا من الازدحام المخيف الذي يزداد كل عام.

أذكر أن السائق كان يستطيع أن يقود سيارته بسرعة تصل مئة وعشرين كيلو متراً على الدائري الشرقي، هذا أمر مستحيل اليوم. استمرار المشكلة وتفاقمها لا بد أن يبعث على البحث الجدي عن البدائل الممكنة. هنا أطرح بعض البدائل:

1- التوسع في إنشاء الطرق السريعة وزيادة عدد مساراتها: هذا الحل جربناه سابقاً، وها هي الطرق تكتظ كل سنة بشكل أكبر. مهما أنشأنا من الطرق السريعة وزدنا عدد المسارات، فالتضخم السكاني سيستهلكها. أثبتت دراسة نفذتها جامعة كاليفورنيا في بيركلي أن كل زيادة بنسبة 1% في المسافة الأفقية في الطرق السريعة تؤدي بالضرورة إلى زيادة نسبتها 0.9 % في عدد السيارات خلال خمس سنوات.

2- التحكم في مناطق الاختناقات: يجب تحديد نوعية العربات التي يحق لها استخدام هذه المناطق، والتحكم في الدخول والخروج إليها. ويمكن تخصيصها لوسائل النقل العام وسيارات الأجرة، مثلاَ. حل صعب في ظروف وحالة مدينة كالرياض.

3- التحكم في عدد المسارات في كل اتجاه من الطريق: هذا الأسلوب يستخدم عندما تكون الطرق مفتوحة، والفاصل بين اتجاهي الطريق مكوَّن من مواد قابلة للإزاحة، كأن تكون من البلاستيك أو المعادن الخفيفة. بحيث تتم زيادة عدد المسارات في الجهة المزدحمة، إلا أن الجزيرة الوسطية في طرقنا السريعة تكون غالباً من الخرسانة الثابتة، وتحتوي على أعمدة الإضاءة.

4- تشجيع مشاركة السيارات: هذا التنظيم يسمح لسيارات محددة باستخدام المسارات السريعة وهي السيارات التي يكون عدد الركاب فيها أكثر من اثنين, وهذا يشجع على استخدام السيارة من قبل أكثر من شخص.

5- اللوحات الإرشادية: اللوحات الذكية التي تنبه السائقين لوجود عنق زجاجة أمامهم أو حادث سير يعطل الحركة أو ازدحام ومسافته والمخارج البديلة.

6- تطبيق الرسوم: يمكن تحديد أماكن في المدينة يمنع دخولها إلا بملصق خاص وهي مواقع ذات أهمية للجميع. ويصعب الوصول إليها إلا من طرق محددة. يكون للملصق ثمن شهري أو سنوي حسب الحالة.

قد يرى القارئ هذه الحلول خيالية، وله مني العذر، فالبنية التحتية، وعدم اكتمال عمليات الرقابة الإلكترونية على الطرق. إضافة إلى أن بعضها كاللوحات الذكية لا تزال دون المستوى المأمول.

7- النقل العام: القطارات و الحافلات هي الحل المعتمد دولياً. يتجاوز عدد المدن التي تعتمد على القطارات كوسيلة نقل عام (150) في (53) دولة، أكبرها مدينة نيويورك التي يبلغ طول مساراتها (1355 كلم) تخدم (468) محطة.

الكثير من الناس يتحدثون عن صعوبة وارتفاع تكاليف هذا الخيار، لكن الحلول الاستراتيجية تكون عادة صعبة، وجذرية. يمكن أن تستفيد الرياض من تجربة مماثلة تعيشها مدينة أتلانتا في جورجيا. حيث يتوقع أن يصل عدد السكان إلى 7 ملايين خلال خمس عشرة سنة. خلصت دراسة نفذتها "جمعية مستخدمي القطارات في جورجيا "إلى أن المدينة تحتاج ما مجموعه 440 كيلومترا من الطرق السريعة كل خمس سنوات لمجاراة النمو السكاني خلال الفترة. تكلفة هذه الطرق يمكن أن تبلغ 12 مليار دولار. يقوم خط القطار الواحد مقام (18) مسارا من الطرق السريعة. هذا يعني أن المدينة ستحتاج إلى سبعة خطوط تكلف في مجموعها مبلغ 6.1 مليارات دولار.

وجود شبكة القطارات مدعومة بخدمة نقل بالحافلات على مستوى عال من النظافة والراحة، هو الحل النهائي لهذه المعاناة اليومية.