إنه موسم الحنين، بين أولئك الذين تركوا ديارهم لهفة على زيارة هذا المكان، حيث يرقد صلى الله عليه وسلم، وآخرين ألفوا مواقعهم الثابتة في الحرم النبوي طوال العام إلا أنهم مضطرون لفراقها مع توافد ضيوف الرحمن وحرصهم على المكوث معظم ساعات اليوم في المسجد النبوي.

في مثل هذه الأيام من كل عام، يعيش مرابطو المسجد النبوي من أهالي المدينة المنورة تجربة خاصة، فكل واحد منهم له موقعه الثابت في الحرم يعرف به ويستدل عليه، على امتداد العام، ويضطر هؤلاء هذه الأيام إلى ترك أماكنهم، ليس فقط بسبب زحام الحجيج، ولكن أيضاً امتثالا لـ"مبدأ مدني" قديم، ينادي بالتسهيل على الحجاج ومنحهم الفرصة: الصلاة في الروضة الشريفة أو قريبا منها،والمهم في الصفوف الأولى.

"سهلوا عليهم" و"خلوهم ياخذوا راحتهم" و"أعطوهم الأجر" هذه هي العبارات التي تناقلتها أجيال المدينة النبوية تزامنا مع الهجرة الموسمية المؤقتة لمرابطي الحرم النبوي، ومع هذه العبارات وفي مثل هذه الأيام تبدأ مجالس المدينة الحديث عن "وحشة المكان".

شيخ القراء في المسجد النبوي محمد أبورواش، الذي اعتاد تدريس القرآن في موقع بين مكبرية مؤذني المسجد وخوخة أبي بكر، يشير إلى اعتقاده بأن كافة المواقع في الحرم النبوي "هي بذات الأجر" ولكنه يعود ليؤكد دور العامل النفسي في الاستقرار له ولبقية من اعتادوا على أماكنهم.

أبورواش وغيره ممن ارتبطت قلوبهم بأجواء الحرم لن يفوتوا فرصتهم السنوية التي ستحين في السابع والثامن من ذي الحجة، حيث يغادر آخر أفواج الحجيج صوب مكة المكرمة، وعلى نحو خاص في يوم عرفة، إذ تخلو المدينة من الحجاج، ليستعيد مرابطو الحرم النبوي مواقعهم مؤقتاً قبل موسم الحج الثاني حين يختار الكثير من الحجاج زيارة المدينة بعد انتهاء نسكهم.