الكتب اللذيذة قليلة، ولكنها تقلب الإنسان رأسا على عقب، وتتركه أحيانا في مقام الصدمة، ومن خلال تجربتي التي امتدت نصف قرن وأنا أغوص في أعماق محيط المعرفة باحثا عن الدرر؛ أزعم أنني عثرت في صدف الخزانات المعرفية على بعض الدرر الشهية اللامعة أكثر من لؤلؤ البحرين، أقدم منها خمسا هي:
• العبودية المختارة ـ أتيين دي لابواسييه.
هذا الكتاب كتبه شاب فرنساوي قبل أكثر من أربعة قرون يفكك فيه ويحلل الشبكة الجهنمية للطغيان وأن الطاغية ليس فردا بل عصابة تتشارك الجريمة، وهي تذكر بالآية الموجودة في سورة النمل عن تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون، كل فرد من العصابة يأتمر بأمره عشرة، ومن العشرة تمشي السلسة إلى الآلاف ثم عشرات الآلاف مثل الشبكة العصبية في الجسم فتحرك الأمة من حيث لا تدري، كتب هذا الشاب بفهم عجيب سابق لزمانه، ونحن قمنا بطباعة كتابه بعد أكثر من أربعة قرون، واشتركنا أنا وجودت سعيد وهشام علي حافظ رحمه الله في نشر كتاب يتضمن أفكار هذا الشاب بعنوان (فقد المناعة ضد الاستبداد)
• الطاغية ـ لمؤلفه إمام عبدالفتاح إمام.
كتاب نشرته سلسلة عالم المعرفة في الكويت مع هجوم صدام المعروف، ووجدنا صعوبة في العثور على الكتاب، مما دفع مؤلفه (إمام عبدالفتاح إمام) وهو أستاذ في الفلسفة في جامعة الكويت إلى إصدار نسخة موسعة ومعدلة منه، وقرأته أنا بشغف، واستفدت منه أن وظيفة الدولة الأولى هي توفير الأمن للأفراد، وأن ملك الفرس لم يكن ينصب وتترك البلد فوضى ثلاثة أيام حتى يعرف الناس أهمية الحكم والأمن، وبالطبع فهناك آراء مقابلة لهذا تقول بالأنارشي أي دولة اللادولة، وفي سويسرا لم يعد الشرطة يحملون المسدسات لقناعتهم أن البشر إذا تفاهموا لم يبق مكان للدولة، وللمستقبل ستنتهي بدعة الدول القومية، فلا يعطى الرئيس صلاحيات خرافية، وبالتالي سوف تتقلص الجيوش إلى وظيفة ضبط الأمن، وستتوقف الحروب وتنتهي الديكتاتوريات ويعم السلام الأرض في دولة عالمية واحدة تخطط لاستعمار المجرة..
• الحياة السرية لصدام ـ بقلم كون كوغلان
كتاب مرعب بحق، تعب صاحبه أكثر من ثلاث سنين في تجميع المعلومات عنه، والرجل ذهب إلى ربه فمحاسبه على ما قدم وأخَّر، ولكن أهم ما في الكتاب أن المجتمعات هي التي تصنع أمثال هذه الحشرات السامة، يذكر في الكتاب اجتماعا حزبيا تم ذكر أسماء من قيادات الحزب أنها خائنة وسيقت للإعدام، ولما انتهت الأسماء هتف البقية بحياة أبي عدي.
وكانت تمثيلية لتصفية كل حر في الحزب، ومشت العراق إلى الحرب والمهلكة، والتفتت والطائفية فهي تدفع الفواتير حتى أجل مسمى.
• الديموقراطية ـ روبرت تال.
كنت في مجلس في الدمام حضره أكثر من عشرة أشخاص يبحثون في الديموقراطية، وحين سألتهم هل قرؤوا كتابا عن الديموقراطية كان الجواب بالنفي، فعرفت أننا نعيش أيام السحر، وإذا لم تعرف الشعوب معنى الكلمات فلن تصل إلى الحقائق قطعا.
يعتبر هذا الكتاب من الحجج الكبرى في هذا المفهوم، وينصح أن يكون في كل مكتبة مع كتاب آخر كتبه مؤلف فرنسي هو آلان تورين في تعريف الديموقراطية الثلاثي (تمثيل الناس ـ التمثيل الفعلي بآليات صحيحة ـ رأي الأكثرية والحفاظ على مصالح الأقلية) وثالث كتبه ليبي (الشيباني) عن الديموقراطية الغربية ومآلها.
