في وسط هذه الأحداث والثورات الشعبية، لا يعرف العالم دولة أشد وحشية وممارسة للإرهاب من إسرائيل. ورغم الصياح المحموم بتنحي الرؤساء، لم نر مسؤولاً أمريكياً أو أوروبياً يتجرأ ويطالب بمحاكمة المسؤولين الإسرائيليين على جرائم الإبادة والتجويع التي يكيلونها للفلسطينيين على مدار الساعة في كل يوم. ولم نسمع أن أحدا منهم طالب نتنياهو بالإصلاح أو الاستقالة ولم نسمع أحدهم يغرد بالأغنية المشهورة التي تقول في مطلعها إن جرائم تعذيب المدنيين لا تسقط بالتقادم وإن مرتكبيها سوف يتعرضون للمحاكمة الدولية!

طبعاً المقصود هنا بالإصلاح، هو إصلاح العقلية السياسية الإسرائيلية التي تتحكم في شعب وأراض ليست لها. إذاً وجه الجرم هنا أكبر من جريمة حاكم أو نظام سياسي يصادر حرية شعبه.. بل هي جريمة اغتصاب أرض وإبادة شعب. إذ تتبجح إسرائيل بأجندة مجدولة للإغارة على المدن والقرى ودكها بالطائرات والدبابات وتجريف المزارع وسرقة المياه ومحاصرة السكان لتجويع من لم تقتله القنابل الفسفورية المحرمة. كل ذلك يعد من الجرائم المغلظة التي يحاسب عليها القانون الدولي وبالتالي فإن مطالبة إسرائيل بتغيير عقليتها الإجرامية ومعاقبتها هي الأولى. لكن رغم ذلك، لا يقف الساسة الغربيون في صف الشعوب والمنظمات المدنية التي تطالب بمحاكمة المسؤولين الإسرائيليين وإعطاء الفلسطينيين حقوقهم.

ماذا يريد هؤلاء الساسة من أدلة ليقولوا الحق؟ فالآن لا يستطيع أي مسؤول إسرائيلي متورط في جرم ضد الفلسطينيين السفر إلى الدول الأوروبية نفسها بسبب شجاعة المنظمات الإنسانية والحقوقية في أوروبا التي ما زالت تطالب بتطبيق قانون جرائم الحرب على عدد من المسؤولين الإسرائيليين. وهناك قائمة لعسكريين، يتصدرهم رئيس الأركان، معرضين للمقاضاة. وعلى سبيل المثال، اُضطرت وزيرة الخارجية السابقة تسيبي ليفني في ديسمبر 2009 م إلى التخفي أثناء زيارة لها إلى لندن وإنهاء مهمتها مخافة من الأمر القضائي بتوقيفها بسبب مشاركتها في الحرب القذرة على غزة في عام 2008م وكذلك تم الأمر مع وزير الدفاع إيهود باراك، حيث وقفت معه الحكومة البريطانية وأنقذته من قرار قضائي بإلقاء القبض عليه.

في الوقت الذي يتشدق فيه هؤلاء الساسة ويبررون موقفهم بأنه دفاعاً عن حق الشعوب العربية في الحرية! فإن من حق هذه الشعوب أن تسألهم: ما هو الثمن؟ ولماذا ظلوا طوال السنوات الماضية صامتين.. إلا عن استثمار أموال الزعماء الذين يطالبون برحيلهم؟ أليس من العدل أن يطالبوا قادة إسرائيل بنفس الطلب (الإصلاح أو التنحي) وبالتالي هل يمكن أن نرى قوة عسكرية أوروبية تتدخل لتمكين الفلسطينيين من أخذ حريتهم ليحكموا أنفسهم على أرضهم؟ إنه من الطبيعي أن نفسر أي تجاوب مع هذه المطالب بأنه محك أخلاقي وحضاري، وبالتالي ليس أمامهم إلا أن يسجلوا موقفاً أخلاقياً وحضارياً.