هم ليسوا من "أطفال الحجارة" مع أنها لا تفارق أيديهم، ما إن يلتقطونها بأكفهم المغبرة حتى يهشموا بها زجاج سيارة مركونة، أو مرفقا من المرافق العامة، حجارتهم ارتفعت للعنان، فكشفت بعض فصول مدارس البنات لأصحاب النظرات السارقة، بعد أن هشمت زجاج نوافذها.

شبابيك مهشمة

أصوات معلمات وطالبات في المرحلتين المتوسطة والثانوية تسمع في شوارع "شرورة" بفضل سلاح الحجارة التي يفتخر بها حملتها، والتي وصلت إلى شبابيك فصول المدارس محدثين خللا اجتماعيا، ومثيلا له اقتصاديا، عطل مشروعا بـ36 مليون ريال!. بالتأكيد، هم قلة لا يمثلون كافة أطفال "شرورة"، لكن لأن مبدأ "خالف تعرف"، وما أحدثوه من ضرر، جعلهم يبدون وكأنهم الأغلبية.

السائقون الضحايا

سائقون يأتون من الرياض أو جدة يقودون شاحنات محملة بمواسير لمشروع الصرف الحيوي، وعند دخولهم لأحد أحياء شرورة، يحدث ما لم يتوقعوه. كانوا يأملون أن يستقبلوا بالترحيب، أو على أقل تقدير الصمت، ولكن المفاجأة كانت عكسية، ثلاثة من الصبية يرشقون سياراتهم بالحجارة، ويهربون مع كل توقف لهم، ثم يعاودون الكرة.

احترافية التخريب

400 ريال، هي المصروفات اليومية لأضواء الحماية وقواعدها، هذا ما يتحمله المقاول يوميا، حيث لم تمنع الاحتياطات المتخذة المخربين من ممارسة هواية التكسير.

محاولة الاحتواء

أحد المهندسين بمشروع الصرف الصحي بشرورة، وعدد آخر من العاملين بالمشروع، أوضحوا أنهم رغم ما يعانونه من شقاء الأطفال، إلا أنهم لا يملكون إلا "الطبطبة" على الأكتاف الصغيرة، فـ"نحن عندما يسعفنا الحظ ونمسك أحدهم، نسترجع كل ما تعلمناه من عبارات مدح قيلت، ونسمعها هذا الصبي، ثم بعدها نشرح له أهمية المشروع للمحافظة بيئيا وصحيا على شرورة، رغم أن ما نقوله قد لا يستوعبه الكبار". مرجعين السبب في تعاملهم مع المخربين بهذه الطريقة الرقيقة إلى "عدم الرغبة في استعداء الآخرين، حتى تخرج معداتنا سليمة من المربع السكني.

الفاعل مجهول

في اليوم الثاني بعد لقاء محرر "الوطن" مع مديري مشروع الصرف في شرورة، في مقر الشركة بحي "الفهد"، كانت دورية تابعة للشرطة بأفرادها الثلاثة، تصور إحدى معدات المقاول، بجانب مدرسة سلمان الفارسي، بعد بلاغ بتكسير زجاج أحدث "بوكلينات" الشركة، وطبعا البلاغ كان "ضد مجهول"، وهذا ليس هو البلاغ الأول ضد مجهول، لأن الشركة تعجز عن أن تُجيب الشرطة عندما تسألهم: هل تتهمون أحدا؟. ذات الحي، وفي نفس الموقع، مساء الليلة اللاحقة تحول إلى ما يشبه موقع مداهمة أمنية، بعد أن قدم أكثر من خمس دوريات رسمية للشرطة وأخرى مدنية بعد بلاغ آخر من قبل مقاول الصرف، وضد "معلوم" هذه المرة، وهو "حدث في الرابعة عشرة من عمره".

تحليل نفسي

علامات تعجب واستغراب تلحظها على محيا استشاري الطب النفسي بمستشفى الصحة النفسية بنجران الدكتور المعتصم عبدالله العمري قائلا: "ظاهرة العنف تعودنا عليها عند الكبار، فما بالها تحولت عند الصغار؟". متسائلا عن الأسباب والدوافع التي أدت إلى انتشار هذه الظاهرة في أوساط الصغار، رغم ما عهد فيهم من براءة وسلامة. مبينا أن "العنف عند الأطفال، إما أن يكون سلوكا مكتسبا، أو بسبب عوامل وراثية". ويرجع الدكتور المعتصم عدوانية الأطفال إلى عدة عوامل، منها "المشاكل الزوجية، وخاصة ظاهرة ضرب الزوج للزوجة، ومشاهدة أفلام العنف، وإهمال الوالدين، وألعاب العنف في البلاي ستيشن". إضافة لذلك، فإنه وحسب رأيه، هنالك عوامل وراثية تسببها زيادة إفراز الغدة الدرقية، أو عوامل بيئية بسبب ظروف التنشئة الاجتماعية، حيث ينشأ العنف من الحرمان العاطفي، وكسلوك مكتسب، أو بسبب مشاعر الكراهة.

حلول وعلاج

المرشد النفسي فضل ناصر النسي أوضح أن علماء النفس يؤكدون أنه تمكن معالجة العدوانية أو التخفيف من حدّتها عند الأطفال من خلال إعطاء الطفل فرصة للتعرّف على ما حوله، تحت إشراف الآباء والمعلمين، وكذلك عدم مقارنة الطفل بغيره، وعدم تعييره بذنب ارتكبه، أو خطأ وقع فيه، أو تأخره الدراسي، أو غير ذلك. كما يمكن تحقيق ذلك باختلاط الطفل مع أقرانه، حيث يفيد الاختلاط كثيرا في العلاج وتفادي العدوانية. يضاف إلى ما سبق، إشعار الطفل بذاته، وتقديره وإكسابه الثقة بنفسه، وإشعاره بالمسؤولية تجاه إخوته، وإعطائه أشياء ليهديها لهم بدلا من أن يأخذها منهم. كذلك تعويده على مشاركتهم في لعبهم، مع توجيهه بعدم تسلطه عليهم، وأيضا السماح للطفل بأن يسأل ولا يُكبت، وأن يُجاب على أسئلته بموضوعية تناسب سنه وعقله، ولا يُعاقب أمام أحد لا سيما إخوته وأصدقائه، وحماية الأولاد من التأثير السلبي للتلفزيون.

رد الشرطة

"الوطن" وفي سياق متابعتها للمشكلة، قامت بمخاطبة الشرطة كونها المعنية بضبط المخالفين، حيث توجهنا بالخطاب إلى مدير شرطة محافظة "شرورة" المقدم مبارك بن سعد الشهراني للاستفسار منه عن مصير 6 بلاغات سابقة تقدمت بها الشركة التي تنفذ مشروع الصرف ضد عبث الأطفال، حيث أجابنا بأنه أحال الخطاب لمدير شرطة نجران لطلب التوجيه حيال الرد حسب النظام، وبالفعل تم الاتصال على شرطة نجران، حيث أخبرونا بأن الخطاب لدى المتحدث الإعلامي، والذي من المتوقع أن يعيد الخطاب لشرورة.