بدأت المدارس الأهلية في المملكة برفع رسوم التسجيل والدراسة، وذلك بعد القرار الملكي الأخير القاضي برفع رواتب المعلمين والمعلمات المواطنين فيها إلى (5000) ريال، مضافاً إليها (600) ريال بدل النقل.
وقد سجلت الأسعار الجديدة لغالبية المدارس ارتفاعات متفاوتة تراوحت بين 1000 و2000 ريال لكل طالب، وسط غياب مرجعية نظامية لتحديد الأسعار وما يقابلها من خدمات.
هذا وقد برر بعض أصحاب هذه المدارس صراحةً أن سبب هذا الارتفاع يعود إلى زيادة رواتب المعلمين، بالإضافة إلى ارتفاع التكاليف التشغيلية بشكل عام وعوامل العرض والطلب في ظل قيام وزارة التربية بإنشاء مئات المدارس الحكومية في المنطقة لتقديم خدمة التعليم المجاني.
وفي المقابل رد بعض المختصين والاقتصاديين على هذه المبررات بالقول إن التكاليف التشغيلية ثابتة لم تتغير لأن المدارس لا تقدم منتجات تجارية، بالإضافة إلى أن المدارس تتلقى إعانات مالية سنوية، كما أن صندوق الموارد البشرية يتحمّل ما نسبته (50%) من رواتب المعلمين والمعلمات ولا يوجد مبرر مقنع لهذا الارتفاع.
ومما سبق يلاحظ وجود غموض شديد حول ارتفاع رسوم التعليم الأهلي في ظل صمت وعجز الجهات المختصة ذات العلاقة لحل هذه الإشكالية، وخاصةً بعد تصريح المتحدث الرسمي باسم وزارة التربية والتعليم حيث قال ''إن الوزارة جهة فنية ترخص للمدارس الأهلية، وتتابع أداءها التربوي والتعليمي وفقاً للائحة تنظيم المدارس الأهلية والتي تنص على: ''تحدد المدرسة التكاليف الدراسية قبل بدء العام الدراسي بما لا يقل عن ثلاثة أشهر، ولا تجوز زيادتها أثناء العام'' ، وبالتالي ليس من اختصاص الوزارة التدخل أو مراقبة الأسعار مع أن نص المادة السابق أعطى الحق للوزارة التدخل ضمناً في ذلك، ولكن قد تكون الآلية غير واضحة في هذا المجال.
وعلى كل حال فإن التناول الإعلامي لهذه القضية قد فتح الكثير من الأبواب أهمها تسليط الضوء على مشكلة المدارس الأهلية بشكل عام، وإن كان التركيز على رفع الأسعار بالذات حيث إنها تشكل هاجساً للعديد من المواطنين لا يستهان به، إلا أنه في الوقت نفسه صاحبها الكثير من التساؤلات تنصب في مدى مساهمة التعليم الأهلي في العملية التعليمية في المملكة، وواقع هذه المدارس والمشاكل التي تواجهها.
وفي الحقيقة أن القرار الملكي القاضي بوضع حد أدنى لرواتب المعلمين في المدارس الأهلية، يحمل في طياته ضمناً حلاً لمشكلات رئيسية تعاني منها المدارس الأهلية لم يلتفت إليها البعض من أصحاب المدارس الأهلية للأسف الشديد.
وحتى نفهم هذه المشاكل بشكل واضح، فمن الضروري في البداية التطرق إلى واقع التعليم الأهلي في المملكة، ومن ثم تحليل الأسباب للوصول إلى مقترحات قد تساهم في رفع كفاءة التعليم الأهلي.
فبمراجعة سريعة ومختصرة لوضع المدارس الأهلية من خلال بعض الدراسات والأبحاث التي تناولت هذا الموضوع نجد أن:
•بعض المدارس لا تركز في الواقع على الجودة التعليمية التي تقدمها للطلاب، والبعض منها يركز فقط على الشكليات.
•ضعف المنافسة بين هذه المدارس، بالإضافة إلى ضعف مشاركة التعليم الأهلي في العملية التعليمية حيث تشير بعض الإحصائيات إلى أن نسبة الطلبة فيها تشكل (10%) من إجمالي طلبة التعليم العام.
•عدم وجود إدارة مالية ذات كفاءة وانعدام محاسبة التكاليف في المدارس الأهلية.
•وجود مبان مدرسية لا تطابق المواصفات والمعايير والشروط الخاصة بالمباني التعليمية حتى أطلق عليها البعض اسم مدارس الشينكو (الأبلاكش).
•عدم نشر أو وضوح تصنيف المدارس الأهلية بالنسبة للمواطنين، مع العلم أن هناك من يقول بوجود هذا التصنيف في الوزارة ولكن لأجل الإعانات المالية.
•تدني أجور المعلمين والعاملين في إدارات هذه المدارس، والعوامل السابقة لها دور رئيسي في أسباب هذا التدني.
وفي المقابل أيضاً نجد وجود عوامل اجتماعية لها دور بارز في وجود الأسباب آنفة الذكر، حيث إن بعض أولياء الأمور يرى أن مسألة النجاح والرسوب أو إعطاء معدلات عالية للدرجات تمثل عاملاً مهماً لاختيار المدرسة الأهلية لأبنائه بغض النظر عن جودة التعليم التي تقدمها المدرسة، ومنهم من يلجأ لهذه المدارس لتوافر وسائل النقل للمدارس الأهلية ووجود معاملة خاصة للطالب بخلاف الحكومية.
هذا باختصار فيما يتعلق بالوضع القائم لبعض المدارس الأهلية على أرض الواقع، وبالطبع فإن هناك عوامل أخرى تتعلق بالرقابة والإشراف على هذه الأنشطة لا يسع المجال لذكرها.
ولكن يمكن القول إن أهمية توفير التعليم للمجتمع بأقل تكلفة، تعتبر استراتيجية مهمة للدولة، لذا أرى أن تتم إعادة النظر في نظام التعليم الأهلي ولائحته التنفيذية، مع توسيع مشاركة القطاع الخاص في فتح المدارس، وتشجيع نموها بما يخدم العملية التربوية التعليمية، مع تعزيز المنافسة بين المدارس الأهلية، والأخذ في الاعتبار جودة التعليم، والحوافز المقدمة للمعلمين الأكفاء مع وضع تصنيف مناسب للمدارس منشور ومعروف للجميع.
ولا ننسى أيضاً الدور الإشرافي لوزارة التربية والتعليم على المدارس الأهلية والتي يتطلب منها في هذه المرحلة، عمل الدراسات والبحوث والتقصي عن أسباب ارتفاع أسعار الرسوم الدراسية، والمشاكل التي تعانيها هذه المدارس، وأسباب اختيار المواطن لها، مع إعطاء حرية مناسبة للقطاع الأهلي في ممارسته للأنشطة التعليمية مع وضع آليات واضحة ومناسبة لتحقيق متطلبات خطة التنمية التاسعة للدولة والخاصة بالتعليم.
عندئذ ستكون هناك خيارات متعددة ولا نهائية للمواطنين في اختيار المدارس التي يرغبونها، وليس هذا فحسب، بل سوف ينعكس هذا الأمر على المدارس الحكومية نفسها، إذ ستضطر للدخول في المنافسة أيضاً ولو بنسبة ضئيلة، وهذا بدوره ينعكس على زيادة الطلب على المعلمين الأكفاء وزيادة أجورهم دون الزيادة في تكاليف الرسوم الدراسية.