من أصعب الأمور وأسهلها تكوين عادة القراءة، وقد يسألني أحدهم كيف نشأت في بيت أقرب إلى الأمية والكتاب الآن لا يفارقني، فمن أين جاءني وحي القراءة والكتابة؟

وأكون كاذباً لو قررت الأمر على وجه سريع، فعالم القراءة سحري جذاب لمن ذاق حلاوته.

وأنا شخصياً لا أستطيع الجزم في كيفية نمو هذه الملكة عندي، ولكن الشيء الأكيد أن كل موهبة لها تمرين، ولعل مران القراءة يأتي من قراءة الرواية والقصة، فإن تعلق بهما انتقل إلى الكتب العويصة والفلسفية، مع هذا فلا بد من تدريب النفس على الأمور الشاقة.

والقرآن يقول "واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي"، وأنا شخصياً ومن تجربتي أذكر تلك الساعات التي كانت النفس تهرب فيها من القراءة فأجبرها على القراءة، وأذكر جيداً كيف كانت كتابة المقالة من أشق الأمور علي حتى لانت لي الكلمة كما ألان الله الحديد لداوود.

ومما يروي العقاد في كتابه "ساعات مع الكتب" نقل عنه أنه كان قد خصص أمكنة وزوايا وقعدات ومقاعد لكل لون من القراءة، ولم يتزوج الرجل، وحكي عنه علاقة عاطفية لم تتأكد، كما روي عن ايمانويل كانط أيضاً أنه كان على علاقة خفية مع امرأة كان يتردد عليها.

أما البدوي فقد تكلم بصراحة عن علاقات شتى مع النساء منهن واحدة إيرانية، وأبان أن أفضل طريقة لتعلم اللغة الأجنبية معاشرة امرأة أجنبية، وربما كان يتزوج على نحو سريع، أو ربما بعقد شرعي بدون ارتباط لا نعلم.

والعقاد كان راهب علم فكان يقرأ من كل العلوم، وفي مكتبتي مكتبته الكاملة، حيث ترك خلفه موسوعة ضخمة، لا أدري عدد الذين اقتنوها فضلاً عن موسوعة طه حسين.

ومما أذكر خاصة في الصيف أننا كنا نذهب إلى النادي الأدبي في القامشلي ونحاول القراءة، ولم يكن ثمة أهل علم يأخذون بأيدينا، فكل البيئة المحيطة بنا أقرب إلى الأمية والجهل. ومن أجل هذا فقد حاولت رسم قواعد وطقوس بين أفراد عائلتي فآخذهم إلى مكتبة تهامة مثلاً والقصص التي يريدونها، وأذكر كيف اشتريت لبناتي المجموعة الكاملة من عشرين مجلداً من موسوعة عالم المعرفة وكانت تصدر أسبوعياً ثم جمعت في عشرين مجلداً، ولم يكن ثمة ضير عندي أن أشتري لهم مجلدات طرزان أو روبنسون كروزو أو جرندايزر أو النحلة مايا أو قصة مونت كريستو التي مثلت فيلماً، المهم محاولة خلق هذه الملكة من حب القراءة واقتناء الكتب.

ثم انعكس الأمر إلي فبدأت ابنتي عفراء تدلني على الكتب الجيدة، ومنها استفدت فقرأت قصة إنسان لوسي عن أقدم امرأة في تاريخ الإنسان عثر عليها في الحبشة تعود إلى 3.2 ملايين سنة، وكذلك رسالة اليونسكو عن الكون ونظرية الانفجار العظيم، وكنت أقتني لهم أيضاً أشرطة عدنان ولينا وسواها كي أحبب لهم الاطلاع وبناء المخيلة، والمهم فعلى الأب الاستنفار في هذا الصدد حتى تكون عنده عائلة مثقفة..

كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون..