حتى أكثر المتفائلين لا يستطيع أن يتوقع تراجع التضخم في الأشهر القادمة عن المستويات الحالية التي تتراوح بين 5% و 6% بسبب عدة عوامل أهمها وأبرزها الضعف الذي يعاني منه الدولار والذي من المتوقع أن يستمر في ظل الظروف الحالية للاقتصاد الأمريكي وخطة الحكومة الأمريكية لضخ مليارات الدولارات في الاقتصاد لإنعاشه، وهو ما أجمع المحللون على أنه سيضع الدولار في وضع حرج.

وكان معدل التضخم قد تراجع للشهر الثاني على التوالي وبصورة طفيفة إلى 5.8% على أساس سنوي في شهر أكتوبر قادماً من 5.9% في سبتمبر في الأطعمة والمشروبات وأسعار المجوهرات والذهب.

وتوقع محللون اقتصاديون استطلعت "الوطن" آراءهم أن يستمر التضخم في الصعود في الأشهر القادمة كذلك نظراً لأن العوامل التي أدت إلى ارتفاعه هذا العام لن تتغير بسهولة وهي ارتفاع أسعار الإيجارات إضافة إلى ارتفاع أسعار الأغذية المستوردة، باستثناء كبير الاقتصاديين في البنك السعودي الفرنسي الدكتور جون اسفاكياناكيس الذي توقع أن ينخفض التضخم في الأشهر القادمة مع استقرار أسعار الإيجارات حتى وإن استمرت أسعار الأغذية في الصعود.

ولم يوافق اسفاكياناكيس على ما ذهب إليه غالبية المحللين من أن الدولار قد يتراجع في الفترة القادمة نظراً لأن الدولار في وجهة نظره قد وصل إلى أدنى مستوياته ولا يمكنه النزول أكثر من هذا.

ويقول كبير الاقتصاديين في "الأهلي كابيتال"، الذراع الاستثماري للبنك الأهلي التجاري، الدكتور يارمو كويتلاين إنه لا يمكننا التفاؤل بتراجع التضخم طالما أن الفجوة بين الطلب والعرض في السوق العقاري مستمرة وهو ما أدى أصلاً إلى ارتفاع أسعار الإيجارات.

ويضيف كويتلاين: "ما نراه الآن من تذبذب في معدلات التضخم أمر غريب، خاصة أنه لم يتغير شيء حتى الآن في البيئة المحيطة بالأسعار."

وتوقع كويتلاين أن يستمر معدل التضخم على ما هو عليه في الأشهر القادمة وقد يرتفع نظراً لانخفاض سعر صرف الدولار المتوقع أمام اليورو، لأن أي انخفاض في سعر صرف الدولار سيتحول إلى انخفاض في سعر صرف الريال السعودي أمام اليورو وهو ما يعني تراجع القيمة الشرائية للريال ويؤدي إلى ارتفاع تكاليف الواردات.

أما المحلل الاقتصادي فضل البوعينين فقد أبدى عدم تفاؤله بمصير الريال السعودي في الفترة القادمة نظراً لأن الدولار وصل إلى أدنى مستوياته الحالية في أسعار الصرف أمام العملات الرئيسية في العالم، وهو ما يعني أن بقاء التضخم فوق مستوى 6% سيستمر خلال الأشهر القادمة.

ويقول البوعينين: "لقد تراجعت قيمة الدولار أمام الفرنك السويسري بنحو40% في الأشهر الستة الأخيرة فما بالك بباقي العملات مثل الين واليورو ونحن نستورد الكثير من السلع من الولايات المتحدة ومن اليابان!".

ومن ناحية أخرى أوضح البوعينين أنه لا يتوقع تراجع التضخم، لأن السياسة المالية في المملكة في العام القادم ستكون توسعية وكذلك هي السياسة النقدية وهو ما يعني إنفاقا حكوميا أعلى على المشاريع وإقراضا أعلى من قبل البنوك.

ويقول: "لقد حذر صندوق النقد الدولي دول الخليج أمس من أن الخطط الإنفاقية لها لن تساعدها في كبح ارتفاع التضخم ولكن طالما أن الحكومة ستنفق أكثر ومعدلات الفائدة عند مستويات متدنية للغاية فإنه من الطبيعي أن لا نرى تراجعا في التضخم."

وحذر المسؤول الثاني في صندوق النقد الدولي جون ليبسكي أول من أمس أثناء زيارته للكويت من أن دول الخليج عليها السيطرة على الإنفاق الحكومي إذا أرادت السيطرة على التضخم.

وقال ليبسكي: "غالبية دول مجلس التعاون الخليجي" يمكنها الإبقاء على خطط التحفيز والإنفاق العالية حتى نهاية العام، "وفي عام 2011 إذا اقتضت الحاجة". وتابع "لكن في بعض الدول لاحظنا مؤشرات أولية لعودة التضخم. وإن استمر الأمر فقد يتطلب وقف إجراءات الإنعاش عام 2011".

وقال البوعينين إن على مؤسسة النقد العربي السعودي أن تحد من الزيادة في القروض الاستهلاكية من خلال تقليل السيولة في الاقتصاد لأن الأفراد بدؤوا في الإنفاق بصورة كبيرة هذا العام.

وكان محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي الدكتور محمد الجاسر قد أوضح الشهر الماضي أن ارتفاع أسعار الغذاء عالمياً هو ما أدى إلى ارتفاع معدل التخضم في الأشهر الأخيرة. وقال الجاسر إنه لا يرى أي جدوى من أي سياسات مالية، تتخذها مؤسسة النقد "ساما" لكبح التضخم نظراً لأن أسبابه خارجية، لكنه عاد وأكد استعداد "ساما" للتدخل من أجل الحد من نمو مستويات التضخم. وأضاف أن ارتفاع مستوى التضخم ليس مقلقاً عند هذه المستويات الأخيرة، وأن المملكة لا يوجد لديها حدود معينة تحصر بينها مستويات التضخم.