ليس أروع من ساعات يقضيها الإنسان بين الكتب، وأفضل جليس كتاب يعلمك ما جهلت، ويذكرك ما نسيت، ويعطيك الموعظة إن غفلت، ويفتح عينيك من رقاد الوسن، وينفض عنك غبار الجمود العقائدي، ويزيدك نضجاً ويعطيك من حكمة التاريخ، فيصبح للإنسان عمر نوح وخزانة قارون من المعرفة، ويعرفك ليس على البشر لحماً ودماً، ولكن دماغاً وفكراً، وأن أفضل ما تركوه للعالم ليس عظامهم النخرة بل أفكارهم التي لا تموت.

ـ ساعات القدر في تاريخ البشرية:

من أجمل قصص الروائي النمساوي ستيفان تسفايج وهو يروي 14 قصة من أسرار فتح القسطنطينية بنسيان باب داخلي مفتوح خطأ أو خيانة، وعن سر هزيمة نابليون في واترلو بحماقة قائد ذهب يلحق الجيش البروسي الهارب فلم يلحق ولم يرجع، وعن حب جوتة فتاة صغيرة ألهمته أجمل قصائده، وعن سايروس فيلد الذي قام بملحمة وصل أوربا بأميركا بالتلغراف، وأخيراً نهاية سكوت في القطب الجنوبي وهو يودع زوجته بكلمة.. أرملتي..

ـ سبينوزا ـ فؤاد زكريا:

تعرفت على هذا الفيلسوف عند أكثر من مفكر، وسحرني في تركيبته الفلسفية، ويعتبر من محطات التفكير في عصر التنوير، وأفضل كتبه رسالة في تحسين العقل ورسالة في اللاهوت والسياسية التي ترجمها حسن حنفي، وأنصح قراءة الرجل بتمهل وتمعن لأنه عاش ظروفاً صعبة، فاختار ألفاظه بحذر وهو يكرر نصيحة ديكارت أحسن من عاش في الظل، مع ذلك تعرض لعملية اغتيال ولعن من مجمع السنهدرين في هولندا.

ـ أفول الغرب ـ أوسفالد شبنجلر:

أحدث هذا الكتاب حين نزوله إلى السوق ضجة كبيرة ومازال، ويعتبر من حجج فلاسفة التاريخ، وكتب عنه عبد الرحمن البدوي كتاباً كاملاً، حيث تنبأ بأن الدورة حلت على الحضارة الغربية كما هي في كل حضارة من الفرعونية واليونانية، ولسوف تنتهي بالتدريج في القرون القادمة، وبالطبع لم يسلم له الكثيرون، وأن الحضارة خاضعة أيضاً للقانون الذي يمكِّن فهمه من السيطرة عليه، كما في الكهرباء ودورة الدولاب، وخالفهم في هذا شبنجلر بأن كل حضارة نسق قائم بذاته لا يتكرر، وتتحول الحضارة ببطء من الحيوية إلى التخشب، ومن الروح البدائية إلى المدنية الفاسدة، أو بتعبير ابن خلدون الحضارة واللذائذ والفسق الحرام، وفي القرآن "وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها فلم تسكن مساكنهم من بعدهم إلا قليلاً وكنا نحن الوارثين"، ولعل سد مأرب وما روى القرآن عنه خير دليل والله أعلم.

ـ معالم تاريخ الإنسانية ـ هـ. ج. ويلز:

إنه أربع مجلدات ولكن تقرأ مثل أكل الفاكهة، ويذكر بكتابات الوردي، وقرأته أنا في حدود شهر أثناء تخصصي في ألمانيا فكان لي نعم الأنيس، وأعيدت طباعته في سلسلة كتاب الألف في مصر، ورأيت في الإمارات محاولة إحياء طباعة ذخائر الفكر كما فعلت الكويت في سلسة عالم المعرفة، فأحيت الفكر الإنساني واستفدنا كثيراً من بعض الكتب التي نشرت، كما في كتاب (عندما تغير العالم) لجاك بيرج، و(الكون) لكارل ساجان، و(الموت في الفكر الغربي) لجاك شورون، و(الصراع على القمة)، و(العلم في منظوره الجديد) لروبرت آغروس، و(تكنولوجيا السلوك الإنساني) لسكينر من المدرسة السلوكية، و(الطاغية) لإمام عبد الفتاح إمام، و(علم النفس) لعبد الستار إبراهيم ومازالت السلسلة تصدر.

أقول وأتمنى أن تعاد طباعة ذخائر الفكر الإنساني مثل (الطب التجريبي) لكلود برنارد المفقود، و(الخواطر) لباسكال، و(المقال على المنهج) لديكارت، و(رسالة في تحسين الفهم) لسبينوزا، أو(تحليل النفس والخلق) لعالم النفس هدفيلد، أو الكتاب الذي نحن بصدده (معالم تاريخ الإنسانية) وأتمنى أن تطبع طبعة رخيصة من أجل تعميم المعرفة على نحو رخيص، كي يقتنيه الشباب وينكبوا على قراءته كما فعلت أنا.

ـ الأمير ـ مكيافيلي:

هو لعنة ولكن هذا هو الواقع في قسمه الأسود، فقد عرض في هذا الكتاب كل أنواع الختل والغدر والكيد، وما هي أفضل الطرق أن يحكم الحاكم الناس بكل طريقة رخيصة وشريفة المهم أن يصل كيفما اتخذ من وسائل، تحت قانون أن الغايات تبرر الوسائل، ولعل أفضل تعليق على هذا المبدأ قرأته "أن من خاض في وحل الوسائل وصل ملوثاً للغاية"، ولذا اشتهرت في علم السياسة الميكيافلية، ولحق هذا الكتاب من جديد كتابان لروبرت غرين ينحوان نفس النحو الخطير الآثم، فيجب قراءة الكتب الثلاثة بروح نقدية صارمة.. والله يهدي إلى سواء الصراط .