مرت أزمة رفع سقف الدين بسلام وطمأنينة على الأسواق الأميركية والعالمية، وتجنب أكبر اقتصاد في العالم وقوعه في فخ التخلف عن السداد. ولكن ذلك لا يعني أن المشكلة انتهت، فهي هيكلية بشكل يقض المضاجع. وقد حان الوقت للالتفات لتلك المشكلة المؤرقة بجدية أكبر بعيدا عن عاطفة الطبقة الوسطى المطحونة بقوى التضخم المستورد مع الدولار والهيمنة الأميركية على الاقتصاد والتجارة العالمية. فما لم يكن هناك تحرك جدي داخلي لحل مشكلة الاقتصاد الأميركي من جذورها وتخفيض مكانتها العالمية، فمن الضروري أن تبدأ دول العالم في الضغط بذلك الاتجاه حفاظا على مصالحها، فتغلغل الدولار في الاقتصاد العالمي يجعل الهزة المرتقبة ذات توابع أكثر فتكا من أزمة الرهون العقارية عام 2008. والمشكلة لها شقان، الأول استثماري صرف، والثاني مالي سببه أن الدولار عملة الاحتياط والتجارة العالمية.
وبدأت المؤشرات على وجود أزمة في الديون السيادية تظهر جلية للعيان، فكما حصل في سوق الأسهم السعودية ما قبل انهيار عام 2006 من ارتفاع غير مسبوق للسيولة، فالاستثمارات في الديون السيادية تمر بالحالة نفسها في هذه الأيام. ويجب التفريق هنا بين الاستدانة من داخل الدولة أو تمويل الدين عبر الحدود من شركاء اقتصاديين بعيدين. فعلى الرغم من ضرورة إبقاء بعض من السيولة الناتجة عن بيع النفط لأميركا على شكل سندات خزينة لا تدفع حتى زكاتها! إلا أن إبقاء كامل الاحتياطات مستثمرة في أوراق مالية لا تسمن ولا تغني من جوع بسبب البعد عن المخاطر لهو مخاطرة كبرى.
على الجانب الآخر، نجد أن دولا مثل تجمع البريكس، وهي البرازيل والهند والصين بدأت في خطوات فعلية في الابتعاد عن الاعتماد على الدولار في تجارتها البينية. وصحيح أن أثر مثل هذا القرار محدود جدا، كون تجارتها البينية لا تمثل أكثر من 2% من إجمالي التجارة العالمية، إلا أن لدينا سلاحا غير مستخدم وهو فك ارتباط تسعير النفط بالدولار، إذ إنه يمثل نحو 13% من إجمالي التجارة العالمية وتسيطر مجموعة دول أوبك، إضافة إلى روسيا على أكثر من 50% من ذلك الرقم.
إن عودة الاحتياطات السعودية إلى أرض الوطن لبناء صناعات تصديرية جديدة غير نفطية وجذب استثمارات جديدة هي الخطوة الأولى. ومن ثم نبدأ في العمل على تخفيض استهلاكنا المحلي من النفط لإبقاء معدلات التصدير مستقرة على مدى العقود المقبلة. وبعد ذلك سيتيح لنا فك ارتباط النفط بالدولار سيطرة أكبر على اقتصادنا الوطني، وهذا الضغط هو الشكل الوحيد الذي تفهمه الإدارة الأميركية، فلا يمكن بعد اليوم الاعتماد على دولة يمثل اقتصادها 20% من الاقتصاد العالمي بشكل مطلق.