كان بمقدور نجوم منتخبنا للشباب المشاركين هذه الأيام في نهائيات كأس العالم للشباب المقامة في كولومبيا، أن يتفوقوا على نظيرهم النيجيري القوي المدعوم بلاعبين جلهم يركضون في أفضل فرق القارة الأوروبية ويتمتعون بتكوين بدني مختلف عما هو لدى لاعبينا السعوديين، لكن مع هذا كله، شاهدنا أبناء خالد القروني يتفوقون في شوط المباراة الأول بالذات، بيد أن تسجيل الهدف الأول أحدث صدمة نفسية انعكست على مردودهم. ليس هذا هو المهم في نظري، إنما الأهم كيف لنا أن نحتضن هذه الكوكبة من اللاعبين المتميزين ونرعى أغلبهم ليصلوا إلى المنتخب الأول، وقد اكتمل نضجهم الأدائي والمهاري والبدني كما هو حال وواقع ما نشاهده مع بقية منتخبات العالم المتطور رياضياً.
هناك نرى لاعبي منتخبات الناشئين والشباب بعد سنوات قليلة ضمن المنتخبات الأولى، إن لم يكونوا أساسيين فنراهم ضمن التشكيلات المختارة، إلا أنه في منتخباتنا ظلت الإشكالية تلازم لاعبي المنتخبات السنية، حيث يصطدمون بتقليد سار عليه المنتخب الأول سنوات وما زال، وهو (تحنيط) لاعبين لمراكز بعينها مهما كانت مستوياتهم ومردوهم الأدائي داخل المستطيل الأخضر، فالتحنيط الفرعوني انتقل لنا كثقافة فقط في الجانب الرياضي وبالتحديد في كرة القدم مع المنتخب الأول منذ جيل ماجد عبدالله ومن جاء بعده.
وبالتأكيد العلة تبقى إدارية بحتة يعززها ضعف رؤية فنية للأجهزة الفنية التي مرت على الأخضر طيلة ثلاثة عقود. وقد يقول قائل لكن مع كل ما تقول إلا أن المنتخب السعودي حقق مكتسبات طيبة قارياً ودولياً. ولا أختلف مع صاحب هذا التعليل في تميز النتائج في مرحلة من المراحل، إلا أن اختلافي مع هؤلاء ومن لا يرى في التحنيط غضاضة برأيه هو أن هوية المنتخبات الكروية العالمية تبقى أسلوب عمل ومنهجا يتم رسمه مسبقاً لا يتوقف على عنصر أو عناصر بقدر ما يجب على أي عنصر مهما كانت عطاءاته وإمكاناته الفنية أن يكون تحت مظلة منظومة عمل ومنهج واضح ودقيق لا يسمح للفوضى والاجتهاد بالمرور والتفعيل.
إن منتخب مونديال كولومبيا الحالي أعتبره – من وجهة نظر موضوعية - نواة ممكنة لتكوين هوية جديدة للمنتخب السعودي الأول الذي افتقد هويته بعد مونديال الولايات المتحدة الأميركية 1994 وما تلا تلك التجربة الناضجة المثيرة والمشرفة للكرة السعودية، كانت محطات لا أحبذ ذكرها في مسيرة الأخضر موندياليا، لأنها كانت مشاركات مخجلة ولا تليق بتطلعاتنا وطموحاتنا ومكانة بلادنا الرائدة في كل شيء ولله الحمد، فلم لا يكون المنتخب الأول نموذجا يقدم صورة طيبة للكرة السعودية في المحافل القارية والدولية؟
على القائمين على الكرة السعودية الاهتمام الحقيقي والفعلي بمسألة الهوية للمنتخب، والتي قد يحسبها البعض سهلة ومقدورا عليها لمجرد التفكير فيها، لا وألف لا، إن المسألة أكبر بكثير من مجرد أماني، ولا تتأتى إلا من خلال عمل ممنهج وأساليب حديثة ورؤى متجددة ومتابعة دقيقة وضبط لكل تفاصيل الفعل الكروي من حراك الأندية إلى المنافسات إلى الأجهزة الفنية ثم بيئة المنتخب نفسه.
متى تحققت هذه الرؤية بشموليتها ومهنيتها ربما نمسك بهوية كروية جديدة، كما هو الحال مثلاً عند اليابانيين ما دمنا معا بقارة واحدة.
تحية من القلب نزفها لنجوم منتخبنا الشاب ولجهازه الفني المتميز وكافة أفراد العمل، وتمنياتنا أن نرى بعد سنوات قصيرة أكثر من عنصر منهم ضمن صفوف المنتخب الأول لاعبين أساسيين، فهل سيفعل فرانك رايكارد ما تكاسلت وغضت الطرف عنه أجهزة فنية سابقة؟ نتمنى ذلك!