يقرأ أحدهم في كتاب: "عروبة اليوم"، للدكتور عبدالعزيز السبيل، فيجد آراء مباشرة، لا مواربة فيها، ولا أقنعة تحجبها، وفيها كلامٌ معجبٌ لناقد وأديب، حول الشخوص والأمكنة، والواقع الثقافي، وثقافتنا والعصر، والثقافة بين الإدارة والإعلام، والنشاط الثقافي والجمهور. إنها قناعاته المثالية التي يضعها بين يديها ويمشي، لا يلتفت إلى أحد. فهل يلتفتُ إليها؟

ويقرأ آخر السيرة الأكاديمية للدكتور السبيل، فيجد أكاديميّاً رصيناً، ذا أبحاثٍ علميةٍ ممتازةٍ في مجالها، ويراه بأقلام زملائه الأكاديميين زميلاً قريباً قرباً يصل إلى الحب.

ويقرأ ثالث السيرة الإدارية للدكتور السبيل، فيجد الناس قد سهروا واختصموا حول أدائه الإداري، في وكالة وزارة الثقافة والإعلام للشؤون الثقافية؛ اختلفوا اختلافاً لا توسط فيه ولا اعتدال، وصاروا إلى فريقين:

فريق يرى أنه ذو حسناتٍ مطلقة لا آخر لها، ولا مدى لآثارها، حتّى إن السبيل صار ـ عند المؤيدين ـ "سوبر مان" الثقافة، الذي انتشلَها من قعر الرتابة والجمود، إلى سطح "الحراك"، والنور، حتى تشعشعت سنواتها، واخضر جدبها، وفاض جسدها على ثيابها العتيقة، وأن التغيير ـ ذاته ـ حسنةٌ تجب ما قبلها وما بين أيديها وما بعدها إلى أن يرث الله المؤسسات الثقافية والعاملين عليها بإحسانٍ أو بغيره.. ويزيد هؤلاء بالقول: لم يكن في الإمكان إلا ما كان..

وفريقٌ يرى أنه جنى على الثقافة جنايةً لا غفران بعدها، فمنح الطارئين ما يعلمون أنه ليس من حقوقهم، واجتلبَ أفراداً من الشوارع القصيّة، ليهبَهم فرصة إدارة الثقافة، فعاثوا فيها فساداً من حيث يعلمون ولا يعلمون، وتشبّثوا وصادروا ومانعوا، ولم يجيدوا شيئاً مما ليس لهم فيه باع ولا ذراع، ويزيد هذا الفريق أقوالاً منقطعة السند عن مجاملاته لزملاء سنوات التعب والابتعاث، إلى حد الخضوع لرؤاهم خضوعاً يجعله يفضّل فريقاً على آخر، ومجاملاته لنفرٍ من "التكنوقراط" الأوائل، حتّى صارَ السؤال المرير: من توسّط لفلان عند السبيل؟ وصارت "النكتة" السمجة تفوح من سؤال آخر: هل فلان من الأدباء السعوديين، أو من أدباء السبيل؟.. وشتّان!

يا إلهي.. ألا يوجد بين الفريقين فريق وسيط؟

الغريب أنه لا توسط عندهم، فإما "القبر أو الصدر"، إما الرفض المطلق الذي لا يرى إيجاباً، وإما التأييد المطلق الذي لا يرى سلباً..

اختلف القوم، حتى صاروا مثل حجارةٍ تتطوح لتقع على حجارة، ونام المؤيدون على أسرة من دخان، فيما سهر المعارضون على أرائك من نار.

وغادر السبيل "الثقافة"، وكأنه يمتثل للآية الكريمة: "فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان"، ليكلف مديرا عاما للإعلام التربوي ومتحدثا رسميا لوزارة التربية والتعليم، بيد أن غيابَه كان أكثر حضوراً، لأن الاختلافات الارتدادية، لم تبرح صفحات القوم ومجالسهم وهواجسهم.

يقول ذو الرقم "واحد": شكراً لأبي حسّان على أن رسخ فينا تقاليد التغيير، ونشّط فينا الخلاف، والاختلاف، كي نتنفّس من جديد. شكراً له على أن فتح الأبواب الموصدة أمام المرأة. شكراً له على ترسيخ "دولية" معرض الكتاب. شكراً له على بعث "مؤتمر الأدباء" من مرقده.

يقول ذو الرقم "اثنان": أخلاقه الرفيعة، تجبرنا على تجاوز الهفوات، ونسيان الهنات، وإن صارت جراحاً في خاصرة مؤسساتنا الثقافية، لكن الفعل شافع أمام اللا فعل، وليس من يحرك الساكن كمن يزيد السكون.

يقول ذو الرقم "ثلاثة": هلا كتبَ السبيل عن تجربته في وكالة الشؤون الثقافية، مقرّاً بالأخطاء، شارحاً للأسباب، مفصّلاً القول فيما يفخر بإنجازه، وما تمنى أنه أنجزه، وما ندم على اقترافه؟

المختلفون حول أداء السبيل، لا حول شخصه، هم "عروبة اليوم"، ماثلةً، ولن يرضى المثقفون عن أحد، ولا عن فعل، لأنهم وُجدوا ليختلفوا.