قد يكون من لوازم (التزاحم) (التراحم) !! متى كانت المسألة مجرد إلغاء للنقطة فتصبح الـ (زحمة) (رحمة)! وياليت الموضوع بهذه البساطة، خاصة لمن شاهد مقطع الفيديو المعنون بـ (إرهاب الشوارع) على اليوتيوب!

ومن هذا المنطلق عزمت على هندسة تصوراتي الفردية عن منظوري للزحام سعياً مني لفهم وجه التلازم بين التزاحم والتراحم، وذلك لأننا نشهد كثافة ملحوظة في مظاهر التزاحم رمضانياً على كل الأصعدة، وهي مظاهر ومناظر موترة حتى لو كانت في دور العبادة كصحن الطواف بالحرم الشريف أو عند الحجر الأسعد من الكعبة المشرفة أو حتى في مواقف المساجد بحجة أداء الصلاة و التراويح وهكذا..

فاسمحوا لي إذاً أن آخذ زاوية بعيدة نوعاً ما عن المعتاد حين نتعاطى مع ظاهرة التزاحم الجمعي، لأني سأعرض مثالاً يذكر بأن للعلم سيادة على صاحبه وعلى أي مكان حلَّ أو مشى فيه صاحبه، فها هم ثلاثة من العلماء بمختلف التخصصات يلتقون في "زقاق".. !! فكيف يكون تزاحمهم تراحماً، وإليكم النفاصيل:

"صادف أن خرج القاضي أبو العباس أحمد بن عمر بن سُريج (ت 306هـ / 918م) والفقيه الظاهري أبو بكر بن محمد بن داود (ت 297 هـ / 909م) وعَالِم العربية واللغة والحديث إبراهيم بن محمد بن عَرَفة المعروف بنفطويه (ت 306 هـ / 918م) إلى وليمة دُعوا إليها، فأفضى بهم الطريق إلى مكان ضيق، فأراد كل واحد منهم صاحبه أن يتقدم عليه، فقال ابن سريج: (ضيق الطريق يورث سوء الأدب) وقال ابن داود : (لكنه يُعَرِّف مقادير الرجال) فقال نفطويه: (إذا استَحْكَمت المودّة بَطَلتْ التكاليف)"..

هنا في هذا الزقاق تجلّت عبقرية "الزحام" في كونه يعكس رؤية جديدة لدى المتزاحمين وهي "أسلوب هندسة المقامات والرُتب"، وها هو العلم يسمو بحامله ولو كان في "زقاق"..

ومن باب التنويع في أسباب تحول التزاحم لتراحم وكنوع من التبسيط لنُجب على التساؤل التالي: ما هو المستفز تحديداً في التزاحم ؟ ولهذا التساؤل سبب رئيسي هو إشكالية عدم رؤية التراحم في التزاحم، وأن التزاحم مليء بفرص التراحم المتكاثرة. ولا أكتمكم سراً أن عندي مفهوماً خاصاً للتراحم في التزاحم هو (من لا يرحم نفسه) من كثرة التأفف والانفعال والتهور، لن يستطيع (أن يرحم غيره)!

وكثيرا ما كنت أقول لمن حولي إن السواقة (محك لكشف مستوى التخلّق)، وبالفعل كم كشف زحام الطريق أياً كان سببه زيف بعض القناعات والشعارات التي نكررها أحياناً لنعبر بها عن مقدار جودة ورقي أخلاقنا.

كل زحمة ونحن.. بأنفسنا أرحم..