يشعر من يستمع إلى غالب كامل، وهو يتحدث عن ذكرياته مع "الميكرفون"، والكاميرا، أن في فمه ماءً غزيراً، ليعيد ـ بحديثه المملوء بالأسى ـ تشكّل السؤال المُشكل في الأذهان: هل يتقاعد الإعلامي؟
من البدهي أن يتقاعد الإعلامي العامل في الإعلام الحكومي، تقاعداً نظامياً عند بلوغه ما يُعرف بـ "السنّ القانونية"، لكن ألا تستطيع هذه "السنّ" أن تستثني ذوي الإمكانات الممتازة؟ وهل باتت هذه "السنّ" حدّ "شفرة"، يقطع صلة المتابعين بأولئك الذين أسهموا في صياغة الأنموذج الأول للمشهد الإعلامي في بلادنا؟ وبالذين تشكلوا في وجدانات المتابعين، وسكنوها، حتى صاروا منها في مقام النبض.
حقاً، إن الطرف الأسود من حصاد الإعلام، ينهي التاريخ الطويل دون إنذارات سابقة، ودون الدرجة الدنيا من التقدير، وكأن احتراقات السنين كفيلةٌ بالحرق النهائي، ومعها إحباطات النظام؛ فغالب كامل ـ الذي أسهم في تأسيس التلفزيون السعودي مع كوكبة متميزة منهم: عبد الرحمن الشبيلي وبدر كريم وعبدالله راجح ومحمد حيدر مشيخ ومحمد الصبيحي وعبد الرحمن يغمور، وذلك في عهد وزير الإعلام جميل الحجيلان ـ لم يُعين رسميّا إلا في عام 1981، بعد أن حصل على الجنسية، وكان تعيينه على المرتبة التاسعة؛ لعدم وجود شواغر في المرتبة العاشرة التي كان يستحقها ـ آنذاك خريج آداب الإسكندرية سنة 1972، لشهاداته وخبراته العملية.
لا مشكلة، فالشواغر مأساة متجذرة، بيد أن المأساة تظهر عند معرفة أنه أحيل إلى التقاعد سنة 2000، على المرتبة العاشرة! ولنا أن نتخيل كم سيكون المرتب التقاعدي! فلمَ لم يخرج غالب كامل بعد خدمة عشرين عاماً بمرتبةٍ أعلى، ووضعٍ أفضل؟
السؤال مؤلم، بيد أن ألمه يتضاءل أمام إيلام رغبة غالب كامل في العودة إلى العمل في التلفزيون السعودي، بعد أن تحسّنت صحتُه، يقول: رفضوا التجديد لي رغم رغبتي في البقاء، وأما إيلام حاله الآن، فقد خرج ـ من الإعلام ـ بلا بيت، ولا قطعة أرض، ولا قرض!
يقول عنه الإعلامي المعتّق أحمد عسيري: "مثّل مع كوكبةٍ من رجال الإعلام في بلادنا رصيداً معرفيّاً وحضوراً فعالاً في قلب ووجدان الـمشاهد والمستمع السعودي.
أسهم في صياغة المشهد الإعلامي بما يملكه من ناصية القول, وعذوبة الصوت, وتجليات الوعي, حتّى أصبح كبيراً للمذيعين.
صنع فضاءَه الجمالي وإيقاعه الصوتي فأصبح متجذّراً في المكان, ممتدّاً في الزمان بوصفه واحداً من أبرز رجالات الإعلام في بلادنا".
الحق، أن غالب كامل، مثّل مصطلح "المذيع الشامل"، خير تمثيل، فقد كان "مفرداً بصيغة الجمع"، لأنه قادر على أن يكون معدا ومنفذا ومعلقا وملقيا ومقدما، وكان ـ كما يقول مجايلوه ـ : يمضي في الأستوديو 16 ساعة، بل إنه ـ في وقت واحد ـ كان يعد وينفذ أربعة برامج إذاعية، وبرنامجين تلفزيونيين، إضافة إلى النشرات الإخبارية في الإذاعة والتلفزيون.
يمكن لنا أن نعيد غالب كامل إلينا بغير طريقة، ويمكننا أن نسجل له ولأمثاله حضوراً شرفيّا، يأخذنا ـ على الأقل ـ إلى عصر الجودة الإعلاميّة، وما ذاك بعزيز إن صحّ العزم، فغالب راغبٌ في ذلك، وقد حاول، يقول عن عودته التي لما تتحقق: "لم تتحدد معالمها بعد، ولكنني قد أعود متعاونا مع التلفزيون، ولدي فكرة أن ينشأ مكتب إعلامي سعودي يغطي بلاد الشام، وكنت قد كتبت للأستاذ إياد مدني عندما كان وزيرا للإعلام وكتبت لمعالي الدكتور عبدالعزيز خوجة حاليا وما زلت أنتظر الرد."
بعد أن تجاوز المرض إلى صحةٍ أفضل، نقول لغالب كامل الإنسان، الذي قدم برنامج "سلامات"، عبر أربعة عشر عاما، وهو الآن رهين الجهازين: الكمبيوتر والتلفزيون، نقول: "سلامات".