محاولة التعرف على الدراما وفهم وظيفتها مرتبطة ارتباطا وثيقا بالحاجة الإنسانية التي أدت إلى وجودها، وهذه الحاجة سبقتنا جذورها بأكثر من ثلاثة آلاف سنة، فالإنسان لا يخترع شيئا إلا وكان بحاجة له، وأهم وظيفة للدراما منذ القدم هي محاولة تفسير الظواهر الاجتماعية والطبيعية والغيبية التي يعجز الإنسان عن إيجاد تفسير لها فيحاول تمثيلها ليفهمها، ولهذا لا يغيب عنكم ارتباط الفلاسفة بالدراما على مختلف العصور واهتمامهم بدراستها، ابتداء من أرسطو وأفلاطون وهوراس وحتى فيكتور هيجو وهيجل وستانسلافكي وبرخت وغيرهم من الأدباء الفلاسفة، إذ لا تقل الدراما أهمية عن كل الاختراعات التي طرأت في حياتنا الإنسانية والفكرية، إلا أن فهم وظيفة الدراما ودواعي الحاجة لها وهي التي طرأت عليها تطورات مرحلية تاريخية بتطور الفلسفة وأفكارها؛ هذا الفهم لوظيفتها هو الذي ما يزال الكثيرون من منتجينا "التجار" وممثلينا "الهواة" قاصرين في فهمه، إنهم لا يعرفون عن الدراما سوى أنها مجال للضحك أو تسلية وقت الفراغ، والمؤسف جدا أن كثيرا ممن يعملون اليوم في الدراما المحلية وخاصة الكوميديا حتى الآن ما يزالون لا يلمسون من الدراما إلا قشرتها الخارجية، فسطحوها وسطحوا معها وعي المشاهد بدلا من تطويره والرقي به.
وبصدق يسألني عدد من الأصدقاء والزملاء: لماذا يا حليمة صمتك أمام الدراما الخليجية والسعودية التي تعرض لنا باسم الكوميديا في رمضان؟! أليس مجال تخصصك واهتمامك؟ ألم تدرسي مفهوم الدراما ونظرياتها؟! هل يرضيك ما يقدم؟
بصراحة هذا السؤال لا يقل إزعاجا لي عن إزعاج بعض المسلسلات الكوميدية للمشاهد! فأنا أصمت وأتوقف عن الكتابة أمام ما يشعرني أنه وصل إلى مستوى لا يستحق أن أهدر وقتي في الكتابة عنه، وبغض النظر عن مجال بحثي في النقد الدرامي إلا أن من أهم المشاكل التي تواجه الدراما السعودية اليوم أنه ما يزال لدينا فقر شديد في كتابة السيناريو الجيد، فالنص هو روح الدراما بل البطل الحقيقي لما سيشاهده الناس بعد ذلك، وكما يُقال من السهل جدا أن تُبكي الناس، ولكن الأصعب منه أن تُضحكهم، وما أراه أمامي اليوم أن عددا من الممثلين السعوديين تحولوا إلى متسولين في مسلسلات تستجدي ضحك الناس.
والمشكلة الحقيقية لا تكمن في فقر السيناريو فنيا، فالممثل الواعي والمتطور قادر على خلق نصه التمثيلي المتفوق، ولكن المشكلة الحقيقية تكمن في عدم تطور أداء وثقافة كثير من الممثلين السعوديين بما يتناسب مع تطور المشاهدين السعوديين ووعيهم ومستوى ثقافتهم، بل وتغير المجتمع وتحولاته الفكرية، ألا ترى معظمهم لا يمثلون إلا شخصيات بعينها! ولو حاولوا تمثيل أخرى باتوا لا يبيعون إعلانا! إن معظم الممثلين لا يريدون أن يعترفوا أن المشاهد السعودي بات أكثر تطورا منهم وأكثر ثقافة وذكاء، ولهذا يتوقفون عن التطور! إنهم يتناسون أن المشاهد السعودي لم يعد ذلك الساذج الذي صنعه إعلام مغلق قبل 15 سنة، لم يعد يريد أن يضحك دون أن يفكر لماذا سيضحك! وهل يستحق الضحك فعلا! هذا هو الاختبار الصعب للممثلين السعوديين الحقيقيين، لا الذين ما زالوا لا يفهمون ماذا تعني وظيفة الدراما! وماذا يعني الفرق بين أن تكون ممثلا حقيقيا وبين أن تكون مهرجا!