أرسل لي الأخ الفاضل عبدالعزيز من أبها رسالة مهمة يقول فيها إن هناك مخططا خبيثا يراد بالمنطقة العربية من التفكيك والحروب الأهلية وهدم الحكومات وبناء الدول الطائفية، وأن عرّاب هذا المخطط هو برنارد لويس، وأن مقولته تحولت إلى مخططات في أدراج البنتاجون، وجوابي على مثل هذه التصورات يجب أن ينظر لها بعين الجدية، ووضعها تحت مسبار النقد والتحليل، والرؤية القرآنية وفلسفته في إنارة الأحداث، وجوابي عن مثل هذه التصورات أن الجثة تمزق بأنياب الضواري، والرمل لا يمسك الماء، والشعوب الميتة رهينة بيد القدر، وما يحصل في الشرق أخيرا يقظة شعوب تطلب الحرية، فإما ولدت أو رجعت إلى قيود العبودية، والاستبداد سرطان، والاحتلال التهاب، ولقد سمعت بأذني عجبا وغير مصدق من أناس من سورية يرددون يا مرحبا بالاستعمار الفرنسي مقابل الاستبداد الأسدي، وفي ليبيا ليس ثمة دولة ونظام، فقد ألغى القذافي الدولة والنظام وحول البلد إلى مزرعة عائلية تحت دعوى الجماهيرية، والآن يقترب من برك الحمام ونهاية الأجل غير مأسوف عليه، وعلى كل حال علينا مقاومة الاحتلال واستئصال السرطان، ومقاومة الاحتلال سهلة، واستئصال السرطان عملية دموية نازفة قد تقترب من الاستحالة ولكن لابد منها، لذا دعك من خرابيط برنارد لويس وتقسيماته، فالمشكلة عندنا ومن داخلنا وإن الله ليس بظلام للعبيد، وإن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، والقرآن يؤكد على ظلم النفس قبل ظلم الآخرين، والله لا يظلم أحدا ولكن الناس أنفسهم يظلمون كما جاء في محكم التنزيل. فهذا هو جوهر المشكلة، والتحدي في المسألة داخلي، وبقدر حديثنا عن التغيير الداخلي نمشي في الاتجاه الصحيح، وبقدر حديثنا عن الاستعمار وخطط البنتاجون وخرائط الدم عند الصهيوني برنارد لويس نمشي في الاتجاه الغلط؛ فتزيغ عيوننا، وتعلو القرنية غشاوة أشد من الماء السوداء في العين، وفي القرآن تعبير مدهش عن قوم تراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون. وخلاصة ما نصل إليه كما جرى بيني وبين النجار المغربي علي حين سألته عما يحدث في بعض بلدان الشرق الأوسط قال: هي أصابع خارجية تحرك، قلت له لو ألقينا عود ثقاب في منجرتك احترقت أليس كذلك؟ وإن كان عندك طفاية حريق أنقذت بعضا وهلك البعض، وإذا ألقينا عود الثقاب في برميل ماء انطفأ أليس كذلك؟ هز رأسه نصف موافق! قلت له أميركا لا تحرك الدنمارك، ولكنها حركت الناس في بعض البلدان لوجود الاستعداد، ومما قاله مالك بن نبي يوما أن اليمن لم تستعمر ليس لعدم وجود قابلية الاستعمار بل لعدم وجود الطالب، وهو مذهب ابن خلدون عن قيام وسقوط الدول، فحين تهرم الدولة فتعمر فالسر ليس في قوتها بل لعدم وجود الطالب.. وسبحان من أخرج المرعى فجعله غثاء أحوى.