هل قيمنا ومبادئنا ذات المرجعية المؤدلجة التي تحكم المجتمع وجدت لتحقق لنا الرفاهية والتقدم أم إنها وجدت لتسبب لنا الخسائر وتعيق التنمية، ولتتحول لعبء يستنزف الأموال العامة بلا هوادة؟ ولماذا بالرغم من إدراكنا عدم جدواها ما زلنا نحيل إليها كمرجعية في صناعة قرارات تدخل حتى في صميم حياتنا اليومية؟ هل أموال البترول هي ما نتكئ عليه لدعم مثل هذه القيم مع ما تنتجه من قرارات أثبت بكل الطرق أضرار نتائجها؟ ما يثير هذه التساؤلات هو شيء يقض مضجع المواطن الواعي ويزعج حتى الوافدين ممن لا يعني لهم وضعنا الاقتصادي الكثير، حيث تستنزف القرارات المؤدلجة المال العام بصورة محزنة، وهي كثيرة ولا حصر لها، وقد تناول المثقفون والناشطون معظمها بالنقد والتمحيص، ولكنها ما زالت مقررة وسائدة ولا يشق لها غبار! فمثلا قرار عدم تدريس اللغة الإنجليزية من الصف الأول الابتدائي، فمنذ أكثر من ثلاثين عاما وهناك جدال لا ينتهي حول البدء بتدريسها للطلبة من المرحلة الابتدائية، لكن المقاومة شديدة، والنتيجة أن تدفع الدولة لكل مبتعث ما بين 100 ألف إلى مئة وخمسين ألف ريال لتحصيل اللغة. وبدلا من أن ينتهي في وقته المقرر تطول فترة الابتعاث عاما إلى عامين أطول من أقرانه.
أما في الداخل فآلاف المعاهد التي تستنزف أموال المواطنين لتعليم أبنائهم اللغة من أجل الحصول على فرص عمل، والأموال تذهب للمعلمين الأجانب لتخرج من البلد في مسلسل من الاستنزاف المادي لاقتصاد الدولة، أما من لم يستطع اللحاق بركب اللغة فلن يحصل على وظيفة في الشركات الكبرى، ليحل محله اللبناني أو المصري أو الهندي الذي درس لغة في بلده.. لماذا يحدث هذا كله؟ فقط لأن الفكر المؤدلج ضيق الأفق المسكون بوهم ضياع اللغة العربية ووهم تماهي أبنائنا مع الغرب هو صاحب القرار، ومن يموله هو الوفرة الاقتصادية التي نحياها. قرار آخر هو عدم السماح بقيادة المرأة للسيارة، الأمر ليس محصورا فقط بالأضرار التي نحصدها كل يوم بسبب استقدام يد عاملة من الطبقات الدنيا في بلدها من الناحية الحرفية، بل بحجم التسريب المهول لأموال شبابنا الذين لا يجدون مقاعد في الجامعات أو وظائف هم في أمس الحاجة لها. كل هذه الأمور يجب أن تجعلنا نعجل في وقف استنزاف أموال نحن في أمس الحاجة لها. لدينا معدل نمو سكاني مرتفع وقد يتضاعف العدد بعد 10 سنوات فقط. وتحتاج المدن لشبكة مواصلات عامة، بنية تحتية, جامعات.. إلخ. ومع ذلك نترك هذا الثقب يسرب الأموال غير شاعرين بفداحة الضرر على المنظور البعيد, فإلى متي ستظل قراراتنا المؤدلجة غير مرتبطة بوضعنا وبمستقبل الأجيال القادمة؟ أخيرا ما مضى لا يمكن فعل شيء حياله، أما للمرحلة القادمة فيجب العمل على وقف هذا الهدر بأسرع ما يمكن، حتى لا تلومنا الأجيال القادمة على ما فرطنا بحقهم.