لا يحق لأحد أن يلوم الليلَ ـ أيّ ليل ـ على اختفاء النجوم، لأنّ النجوم لا تختفي، وإنما تبقى نجوماً متوهجة، مهما "تليّل" الليلُ في سماواتها، بل إن ازدياد الحلك يكشف عن معدنها الضوئي النفيس، فيجعلها أكثر توهجاً.

ماجد عبدالله، نوعٌ فريدٌ من النجوم التي يبقى وهجها، برغم تعاقب الليل والنهار، وبرغم الخصام الذي يطرأ ـ أحياناً ـ بين الفجر وصديقه الضوء، وما ذاك إلا لأن هذا الماجد عارفٌ بالطريقة التي يستطيع بها أن يلمس السماء برأسه، دون أن يصعد على شيء، سوى قدميه وساقيه وذكائه الكروي الذي ليس إلا له.

سأجزم، أليس الجزم منتهى الموضوعيّة في بعض الأحيان؟ سأجزم قائلاً: لا يستطيع أحدٌ ـ مهما بلغ به التعصّب ـ أن يقول: إن الملاعبَ السعودية أنجبت لاعب كرة قدم يدنو في منجزاته، وتاريخه، وشعبيته، و قدرته على الحسم، وطريقته الخاصّة جداً في الأداء، وأسلوبه في المروق بين المدافع وأخيه، واستدراجه للدهشة والإعجاب والذهول؛ من ماجد عبدالله.

إنّ من يقول: إن لماجد نظيراً مساوياً، في النجوميّة، أو الأثر، أو النكهة، شبيهٌ بالأصلع الذي يهوى جمعَ الأمشاط، ليُقال عنه: إنّ له شعَراً، لأنّ ماجد عبدالله حالةٌ خاصّة، وذكاءٌ خاص، وبرودٌ خاص، وحماسٌ خاص، و"كاريزما" خاصّة، وغفوةٌ مخيفة كأنها ما يسبق العاصفة، واستيقاظة مرعبة، وسحرٌ كرويٌّ ليس كمثله سحر.

اعتزل ماجد الكرة سنة 1998، وعلى الرغم من مرور أكثر من عقد على ذلك التاريخ، إلا أنه استطاع أن يواصل الشروق، ويبقى في كبد الحبّ والشعبيّة، كتلك الباقية في كبد السّماء، فلا يستطيع "غربالٌ" تغطيتها، مهما استمسك بالمصنوع حديثاً بعد "لأيٍ وعنَتْ".

ماجد، يتعامل مع الكرة بروح الفنّان، أو قلب العاشق، وكأنّ المستديرة تحتاج إلى وشوشةٍ خاصّة، كي تكون طائعةً منقادة، تتدحرج، وتتهادى باللمس الرقيق حتّى تبلغ المرمى آمنةً مطمئنّة، عارفةً بأن طاعتها له سرٌّ من أسرار ازدياد أعداد عشّاقها.

منذ عام 1977، وعشّاق الكرة، يرقبون، ويرمقون، ماجد عبدالله، وفي كلّ عامٍ يكون لهم عنه حديث، ففي عامٍ؛ أصيب ولم يشارك إلا في بضع مباريات، وفي آخر؛ شاركَ في مباريات الدور الثاني فقط، وفي ثالث؛ شارك في اثنتي عشرة مباراة فقط، وسجّل اثني عشر هدفاً، وفي رابعٍ؛ حصل على لقب الهداف، ثم حصلَ على لقب الهداف، ثم حصل على لقب الهداف، ثم.... حتّى اختلف المؤرخون الرياضيون في عدد مرات فوزه بلقب الهداف، واتفقوا في أنه لم يحقق رقم مرات حصوله على هذا اللقب أحد، وفي أنه كان يحقق اللقب بأقل عدد من المباريات؛ ومن نماذج ذلك أنّه في عام 1979، حقق ماجد لقب هداف الدوري، للمرة الأولى في حياته، وسجل ثمانية عشر هدفاً، على الرغم من أنه لم يشارك إلا في ثلاث عشرة مباراة، وفي العام نفسه، حصل على لقب هداف كأس الملك، للمرة الأولى بـستة أهداف، على الرغم من أن ذلك الموسم شهد السماح بمشاركة اللاعبين المحترفين الأجانب، للمرة الأولى، وفي عامٍ ما لم يشارك إلا في شوطٍ واحد، طيلة الموسم، وبرغم ذلك سجّل ثلاثة أهداف!

وهنا نسأل أسئلةً نختبر بها الذاكرة، ونعرض ـ من خلالها ـ النماذج فقط، لنعيد بها معنى أن تكون الأهدافُ تاريخاً، ويكونَ اللاعبُ الفردُ فريقاً متكاملاً؛ نسأل: هل هناك من يقدر على نسيان هدفه الذي أنقذ منتخبنا في أولى مبارياته، في البطولة الآسيويّة سنة 1984، أمام المنتخب الكوري الجنوبي في آخر دقيقة من المباراة؟ أو هدفه الثاني في مرمى المنتخب الصيني في نهائي تلك البطولة، حين "كسّر الطقم الصيني" كلّه؟ أو أهدافه الحاسمة، والخارقة في أساليب تسجيلها، خلال مشوارنا القاري للوصول للأولمبياد العالمية في العام نفسه، وكان ماجدنا ـ حينها ـ هداف التصفيات والنهائيات بثلاثة عشر هدفاً، منها سبعة في التصفيات وستة في النهائيات؟ أو هدفه التاريخي في مرمى المنتخب الإيراني، إبان كأس آسيا التاسعة في قطر سنة 1988، أو هدفه الهندسي النّادر أمام المنتخب الكويتي، في تصفيات كأس العالم سنة 1994، وبه تحقّقت أمنية ماجد، وأمنيتنا للمرّة الأولى.

يااااه؛ والله إن المساحة قاصرة عن الاسترسال في حفر الذاكرة بأسئلة الأهداف والأهداف والأهداف.

إنه ماجد عبدالله، وكفى.. ألا يُغني هذا الاسم عن حشد من الكلمات الجاهدة في وصف هذا الاسم الظاهرة.