لم يعد التكرار الممل للشخصيات في الأعمال الدرامية المحلية الظاهرة الوحيدة التي يتفق الجميع على أنها تدل على عجز ما في الابتكار والتجديد، بل إن ثلاثة أعمال محلية تعرض منذ بداية شهر رمضان المبارك تطابقت كلياً في الموضوعات المطروقة، ولكن برسائل "أيديولوجية" اجتماعية متباينة في كثير من الأحيان. فأعمال "طاش 18" و "سكتم بكتم" و"قول في الثمانيات" ناقشت في أيام متقاربة جداً موضوعات واحدة مثل "ابتعاث الطالبات" و إغراق الناس في الديون، وغيرها من الموضوعات التي لا أقول إنها غير مهمة، بل هي قضايا اجتماعية ملحة. ولكن الممثلين ذاتهم سبق أن طرقوها في أعمال سابقة، ولم يأتوا بالجديد.

أما الأهم في نظري فهو أن ما عرض حتى الآن من حلقات من الأعمال السابق ذكرها تبنت مواقف أيديولوجية أو اتجاهات اجتماعية، أفرغت الكثير من الحلقات من بعدها الفني وحولتها إلى خطاب إنشائي بسيط، الهدف منه دغدغة المشاعر سواء باستجداء تصفيق جماهير "النت" أو باستفزازها بمشاهد تحمل مبالغات كبيرة جداً. ولعلي هنا أضرب مثلاً بقضية ابتعاث الطالبات التي ناقشها "سكتم بكتم" ومثله "طاش 18" ولكن بأحكام فنية أيديولوجية متضادة، ففي "سكتم بكتم" ركز فايز المالكي وطاقم العمل على تصوير هذه المبتعثة بصور مسيئة جداً، متبنياً هجوم بعض المناهضين لفكرة الابتعاث والمحاولين إيقافها تحت مبررات مثل " التأثر بأخلاق الغرب" وهو ما فعله المالكي في أحد المشاهد التي اضطر التلفزيون السعودي لحذفه ـ كما صرح بذلك المشرف العام على التلفزيون عبدالرحمن الهزاع ـ حيث كان المشهد يظهر مبتعثة تصاحب زميلها الأجنبي، فلو عرض ذلك المشهد في مجتمع كمجتمعنا "يطير بالعجة" لسرى الشك في أذهان آباء كثيرين تجاه بناتهم المبتعثات حتى وإن كان معهم محارم، وربما تسبب هذا في أزمة كبيرة لوزارة التعليم العالي. فمشكلة "سكتم بكتم" هذا العام أنه تحول إلى مسلسل إنشائي وعظي مباشر، حيث تشعر في بعض الأحيان أنك تشاهد مسرحية أطفال تقدم في مدرسة ابتدائية، ولست تشاهد عملاً درامياً. ومن الواضح أن اعتماد تلك اللغة الفنية السطحية أتى لاستدرار التعاطف والتصفيق "النتي" المؤثر في توجيه الرأي العام، وقد يكون مسحاً لصورة العام المنصرم الذي شهد هجوماً كبيراً على المالكي.

أما تناول "طاش 18" لقضية الابتعاث وقضايا أخرى مثل حلقة القاضي الذي يطلق امرأة بحجة "شخير زوجها" ليتزوجها، فهي مبالغات لامنطقية تحولت إلى ما يشبه الاستخفاف بعقول المشاهدين، ومحاولة تبني خط أيديولوجي مضاد لما في "سكتم بكتم"، وقد ظهر ذلك في حلقة أخرى هي حلقة السطو على البنك التي تصلح للأطفال فقط.

إذن نحن أمام أعمال درامية تستخف بالعقول أكثر من أن تكون تؤدي رسالة فنية واجتماعية.