في رمضان من عام 2011م يلتهب نصف العالم العربي بانتفاضات ودماء ودموع وآلام. فهل هو مخاض الحامل فتلد غلاماً زكياً، أم هي فوضى عارمة والدخول إلى مصير التمزق الصومالي الذي صب في الفقر والمجاعة؟

في الواقع ليس هناك أصعب من التكهن بالمستقبل، أو المراهنة على ولادة أو استمرار أشياء بعينها بسبب قانون (الصيرورة) الذي يحكم قبضته على الوجود.

فعلى سبيل المثال توقع هتلر أن يصمد الرايخ الثالث لمدة ألف سنة، وتوقع (شهود يهوه ZEUGEN JEHOVAS) نهاية العالم في الثمانينات من هذا القرن، وتنبأ الشاعر (فيلكس دان FELIX DAHN) في أحد أيام عام 1889 م بالقيامة في اليوم التالي وعلى وجه الدقة عند الساعة الثانية عشرة ظهراً!

وانتظر الشيعة خروج الإمام الثاني عشر المختفي في السرداب، وانتشرت مقالة في العالم الإسلامي تفيد بأن العالم يؤلف ولايؤلفان، وتوقع جورج أوريل وقوع العالم في قبضة ديكتاتورية مرعبة لاخلاص منها عام 1984 م، وأعلن الشيوعيون في روسيا نهاية جدل التاريخ وصراع الطبقات، وراهن فرانسيس فوكوياما على نهاية التاريخ عام 1991 م مع نموذج الرأسمالية الأميركية كشاطئ رست عليه السفينة الإنسانية، وتوقع السياسي الأميركي (صمويل هنتنجتون) بدء صراع ضاري بين الحضارات.

وأعترف للقارئ أنني كنت مؤمناً بالتغيير في العالم العربي ولكن كنت أضع له زمناً في أقله تفاؤلاً في حدود ثلاثين عاماً، وأننا دخلنا عصر "الجملوكيات" حتى إشعار آخر، ولو سألني سائل أن انفجار البركان العربي سيبدأ من تونس لهززت رأسي نفياً، ثم لقلت "عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا".

وأذكر جيداً حين اتصلت على السيدة الفاضلة سعدية في الجولان وقلت لها لقد غسلت يدي من وطني فلم يعد وطناً بل سجناً كبيراً يضم مسكيناً ويتيماً وأسيرا؟ كان جوابها حكيماً: هذا في علم الله فعنده مفاتح الغيب وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين.

فهل كان سبب هذا فرط الإحباط وإطباق الظلام وهو مؤشر من أن الظلام إذا ازدادت حلكته اقترب الفجر من الظهور؟

لا أدري وليس عندي في الواقع إجابة، ولكن كما سألني الأخ نيربيه من مونتريال في كندا؛ ماتقول فيما يحدث؟ كان جوابي أنني استفدت من كتاب (مملكة الفوضى) لكاتبه ليونارد راسترينج، أننا حين نلقي القطعة النقدية فهي بين حدين اليقين واللايقين؛ يقين أنها سترسو على الأرض، ولا يقين أننا لانعلم بالتأكيد على أي وجه سوف ترسو!

قال الكاتب والسبب في هذا أن هناك ما لا يقل عن أربعة عناصر تلعب بالنتيجة من قوة القذف، والوسط الذي تخترقه، ونوع المعدن المكونة منه القطعة النقدية، ثم طبيعة الوسط الذي يستقبل السطح الهاوي، وهذا بدوره مرتبط بسلسة من العناصر اللانهائية؛ مثل الوسط هل هو هواء أم ماء؟ خارج الكرة الأرضية أم خاضع للجاذبية؟ طبيعة المعدن؟ هل هو من الذهب الخالص أم الفضة أم النحاس؟ وطبيعة السطح الذي سوف ترسو عليه القطعة النقدية، هو هو صخر متعدد السطوح أم رمل غاطس أم تربة جافة؟ وهكذا..

وكلامنا الحالي عن مصير الثورة السورية وما يمكن أن يحدث هناك لا يخرج عن هذه الاحتمالات من اليقين واللايقين، فالتغير حاصل ولكن طبيعته مجهولة.

وبالنسبة لعالم الغيب الذي بدأنا في ذكر عناصره فقد كانت النتائج عجيبة ومخالفة تماماً، فقد انهار الرايخ الألماني في مدى 12 سنة، ولم يأت المسيح كما توقع شهود يهوه، كما لم يخرج الإمام من السرداب حتى اليوم، أما الشيوعية فقد انهارت في أقل من جيلين، وتنهار الديكتاتوريات اليوم في العالم وتنتشر الديموقراطية، وتتحول الكرة الأرضية إلى قرية إلكترونية ونادٍ للنقاش الديموقراطي مع زحف الإنترنت.