يشهد العالم نموا كبيرا في عدد السكان يقابله نمو في النشاط الصناعي والحضري وازدياد في الأنشطة الاقتصادية عبر مؤسسات وشركات القطاعين العام والخاص الكبيرة على اختلاف وتنوع طبيعة أنشطتها ما أدى إلى زيادة الضغوط على البيئة والاستغلال الكبير للأراضي والموارد المائية في كثير من دول العالم. ولقد أدى الاستخدام المفرط لهذه الموارد خاصة من قبل الشركات والمصانع الكبرى تلوثا للبيئة مما أثر سلبا على صحة الإنسان، وهذا ما يدفعنا إلى التركيز على مفهوم الأداء البيئي والاجتماعي في سبيل تضمين استراتيجيات الشركات الاقتصادية الكبرى هذا المفهوم، وهو أمر يدعو إلى ضرورة اتخاذ مجموعة من الإجراءات والتدابير الهادفة إلى تحقيق التنمية المستدامة التي تستند مبادئها الأساسية على تحقيق النمو الاقتصادي والعدالة الاجتماعية وحماية البيئة، وذلك في ظل معادلة تحقيق التوازن المطلوب بين عملية التنمية الشاملة من ناحية وحماية البيئة من ناحية أخرى فالبيئة والتنمية محوران هامان في سياسة الدول الآخذة في النمو.

وهنا يكتسب الدور الاجتماعي للقطاعين العام والخاص أهمية متزايدة بعد تحويل العديد من الحكومات بعض أدوارها الاقتصادية والخدمية من خلال خصخصة الكثير من تلك الأنشطة إذ ينبغي أن تتبنى برامج فعالة للمسؤولية الاجتماعية، أو بمعنى التزام أصحاب النشاطات التجارية بالمساهمة في التنمية المستدامة من خلال المبادرات المجتمعية لتحسين الظروف المعيشية للقوى العاملة في محيطها وهنا يأتي دور منظمات المجتمع المدني كرقيب ومشارك رئيس في تفعيل مبادئ المسؤولية الاجتماعية كما يقع على مؤسسات القطاع الخاص والبرامج الحكومية مسؤولية دعم الوعي البيئي من مخاطر التلوث من أجل وقف التدهور البيئي والعمل على تصحيح وضع البيئة بل وحشد المشاركة الاجتماعية لضمان سلامة وتوازن التخطيط البيئي والاستفادة من الخبرات على مختلف المستويات المحلية والدولية بقصد إرساء مفهوم المسؤولية الاجتماعية تجاه البيئة، إذ يعتبر مفهوم المسؤولية الاجتماعية من المفاهيم الحديثة التي تساعد على خلق بيئة عمل لديها القدرة على التفاعل مع المتغيرات المتلاحقة في كثير من الجوانب الاقتصادية والاجتماعية.

والمتتبع لمسار مفهوم المسؤولية الاجتماعية وما طبق من تجارب دولية على قطاعات الأعمال المنتجة يجد أن دور مؤسسات القطاعين العام والخاص أصبح محوريا في عملية التنمية المستدامة وهذا الأمر تحقق للدول التي لها يد السبق في تطبيقه، وبحسب دراسة صدرت عن جامعة (هارفارد) فإن الشركات التي تطبق مبادئ المسؤولية الاجتماعية نمت بمعدل أربعة أضعاف عن تلك التي لم تطبق هذا النهج، إضافة إلى أن تثقيف العاملين بهذا المفهوم أسهم في تخفيف الأعباء عن تلك الشركات وزاد من الإنتاجية وخفض التكاليف بنسبة 30%، وفي المملكة بدأ مفهوم المسؤولية الاجتماعية يأخذ جانبا من الاهتمام في الآونة الأخيرة حيث أدركت شركات القطاع الخاص أن القدرة المالية وحدها لم تعد كافية وتنبهت إلى أهمية الدور الذي يمكن أن تلعبه في المجتمع ومن ثم بدأت التوسع في نشاطاتها لتتجاوز ما هو أكثر من النشاطات الإنتاجية وبدأنا نسمع عن البرامج والندوات والمبادرات المجتمعية التي تهدف إلى إرساء العمل الجماعي والتطوعي وحماية البيئة وهذا بحد ذاته ظاهره حضارية تشكل مسارا صحيحا نحو تعميق ونشر ثقافة المسؤولية الاجتماعية والاهتمام بالبيئة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.

إن الحراك المتحفز لمؤسسات القطاعين العام والخاص في مجال المسؤولية الاجتماعية والاهتمام بالبيئة إلى جانب دورها في التنمية الاقتصادية ما هو إلا أحد صور التكافل الاجتماعي التي حث عليها ديننا الحنيف فالإسلام بشريعته العظيمة دعا إلى هذا المفهوم حيث قال الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه الكريم (وتعاونوا على البر والتقوى) وقوله سبحانه (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) وقال عليه الصلاة والسلام (خير الناس أنفعهم للناس).

فالمجتمع بحاجة إلى دعم هذا الحراك من خلال التعريف ببرامج المسؤولية الاجتماعية التي يمكن أن تتبناها مؤسسات وشركات القطاعين العام والخاص، وإبراز الأنشطة غير الربحية لها، وأن تسهم في بناء الوعي العام لدى أفراد المجتمع وتعزيز الولاء للمنشأة، واستشراف وتقييم احتياجات المجتمع وطرح برامج جديدة على الجهات المهتمة بالأنشطة والسعي نحو تحفيز كافة الجهات لمساندة تلك البرامج، على الجانب الآخر فإنه من الضروري تطوير وسن القوانين التشريعية التي تسهم في صناعة برامج تستهدف تحقيق أعلى قدر ممكن من المسؤولية الاجتماعية من خلال طرح منظومة من البرامج العلمية تشمل المسؤولين التنفيذيين في الشركات والهيئات العامة في مختلف القطاعات التجارية والصناعية والصحية والتأمين والبنوك، فهي دعوة أوجهها إلى مؤسسات القطاع الخاص بضرورة تبني مشروع تأسيس أكاديمية تعنى بالمسؤولية الاجتماعية والاهتمام بالبرامج البيئية والتعليمية الخاصة بالمسؤولية الاجتماعية التي من شأنها أن تعزز هذه الثقافة بين أفراد المجتمع ما ينعكس إيجابا في تعزيز وتنمية دور المؤسسات للقيام بدورها التنموي وواجبها تجاه مجتمعها، كما أقترح بأن تتبنى أيضا مؤسسات وشركات القطاع الخاص إنشاء أقسام للمسؤولية الاجتماعية يضمها هيكلها الإداري وإدراجها ضمن رسالتها ورؤيتها وثقافتها ومبادئها واعتبار المسؤولية الاجتماعية من مسؤوليات الإدارة التنفيذية وتلك عوامل مهمة لتحقيق معدلات التنمية المستدامة كهدف طويل الأجل.

إننا في الهيئة العامة للطيران المدني نستشعر مسؤوليتنا في هذا الجانب ولذلك تقوم الهيئة بالكثير من المبادرات لدعم برامج المسؤولية الاجتماعية ونشر الوعي بذلك، ومن الأمثلة على ذلك تخصيص مساحات في مطارات المملكة العربية السعودية السبعة والعشرين لوضع الملصقات والإعلانات وتوزيع النشرات التثقيفية بدون أي مقابل، وكذلك المساهمة في برامج تثقيف طلاب المدارس من خلال تنظيم زيارات لهم إلى بعض مطارات المملكة لزيادة وعيهم بأهمية قطاع الطيران في التنمية المستدامة وتوسيع مداركهم. وفي جانب العناية والمحافظة على البيئة تقوم الهيئة بوضع معايير في جميع مطاراتها الجديدة لحماية البيئة وإعادة تأهيل المطارات القائمة للمحافظة على البيئة من خلال عدة مبادرات مثل زيادة الاعتماد على الإضاءة الطبيعية واستخدام العوازل لتقليل استهلاك الكهرباء، وكذلك تكرير وإعادة استخدام المياه، ووضع أنظمة حديثة لجمع والتخلص من النفايات بشكل يحافظ على البيئة من خلال عزل المواد غير القابلة للتحلل مثل الزجاج والبلاستيك لإعادة استخدامها، وغير ذلك. وإننا نطمح في أن تكون مطاراتنا قريبا مثالا يحتذى به في حماية البيئة على مستوى العالم ونأمل من إخواننا مستخدمي المطارات التعاون معنا لتحقيق ذلك.