أرجع كاتب جماهيرية الرواية إلى ثلاث ظواهر حددها في "الشريط الإسلامي"، حيث قال سعد بن محارب المحارب في كتابه "الرواية الجماهيرية: قراءة نقدية في مرحلة ذيوع الرواية السعودية" الصادر أخيرا عن دار "جداول للنشر والتوزيع" إن الشريط حمل في بعض نتاجه خطاباً حيال الواقع المحلي موجّه إلى فئات ضمن التيار الإسلامي، وتمثلت الظاهرة الثانية في "الفضائيات"، فقد وجد أنها شاعت في الجمهور العام، وأوجدت مسارات بديلة للخطاب المحلي، إلى جانب إتاحة فرصة المشاركة للمتلقين في بعض برامجها. بينما يرى أن ثالث الظواهر يتمثل في "الإنترنت"، التي سمحت بنشوء خطابات متعددة للواقع المحلي، وبديلاً إضافياً للخطاب الإعلامي الرسمي وشبه الرسمي، إلى جانب مساهمة منتديات الإنترنت في تكوين رأي عام. وتوصل المؤلف إلى أن جميع "الظواهر الثلاث"، وبشكل أخص "الإنترنت"، شكلت مناخاً هيأ للسعوديين اكتشاف ذواتهم وواقعهم، مشيراً أنه المناخ ذاته الذي ولدت فيه "الرواية الجماهيرية" واستفادت منه.

وفي القسم الأول من كتابه يناقش المؤلف مفهوم "الرواية الجماهيرية"، من خلال ما أسماه "الظواهر الثلاث"، إذ ظهر للمؤلف بعد تتبعه لها اتسامها مجتمعة بتقديم خطاب داخلي مفارق للخطاب الرسمي.

ويؤكد المؤلف أن النجاح في إنتاج صيغة مختلفة للخطاب الإبداعي والثقافي المحلي، متعلقٌ بنتاج روائي محدد أطلق عليه "الروايات الثلاث"، أولها "الرياض نوفمبر 1990"، وهي رواية غير منشورة، تم تداولها نسخاً مطبوعة في العام 1992، وقدمت أحداثاً اجتماعية ذات حساسية عالية، تحديداً المسيرة النسائية التي طالبت بمنح المرأة حق قيادة السيارة التي جرت في 6 نوفمبر 1990 بالرياض، ويرى المؤلف أن هذه الرواية لقيت ذيوعاً، وشكلت بداية لإمكان نشر ما يتعذر نشره من وراء قناع أدبي، ويعدها الشرارة الأولى في تحويل الرواية السعودية عن سياقها النخبوي إلى حالة جماهيرية.

وثاني هذه الروايات هي "شقة الحرية"، صدرت في العام 1994، إذ يعزو المؤلف شيوعها إلى شهرة مؤلفها غازي القصيبي، إلى جانب رصدها لانفتاح طلاب خليجيين على التجربة المصرية، وحملها ملامح التوجهات السياسية والخيارات الفكرية المتاحة في خمسينيات القرن الميلادي الماضي.

وبحسب رأي المؤلف، فإن آخر "الروايات الثلاث" هي ثلاثية "أطياف الأزقة المهجورة"، صدرت في عامي 1997- 1998، التي اخترقت خطوطاً حمراء على نحو غير مسبوق، وحتى ملحوق، من خلال تسجيل مؤلفها "تركي الحمد" أحداثاً متنوعة على لسان بطلها "هشام العابر" في فترة زمنية تمتد بين عامي 1967 و 1975.

ويؤكد المؤلف أن مسار الرواية في السعودية تغير مع "الرياض نوفمبر 1990"، بينما تغير جمهور الرواية مع "شقة الحرية"، فيما مثلت "أطياف الأزقة المهجورة" رمز الرواية الجماهيرية الأكثر إلهاماً، مبيناً أن معظم الأعمال التي تلت "الروايات الثلاث" استخدمت المسألتين الجنسية والدينية مقابل إهمال السياسة أو تخفيض مستواها.

ويعتقد المؤلف أن المؤسسة الإعلامية ساهمت في ذيوع "الرواية الجماهيرية" باعتبارها فرصة سانحة للصحافة الثقافية لتقديم مادة شعبية، مؤكداً تخلي المؤسسة الثقافية المحلية عن "الرواية الجماهيرية".

وخلص المؤلف في القسم الأول من كتابه إلى مساهمة "الرواية الجماهيرية" في توسيع القاعدة الجماهيرية لقراءة الكتاب في السعودية، وإعانتها على تنشيط الصحافة الثقافية، إلى جانب مساهمتها ـ مع غيرها ـ في رفع سقف حرية الكلام في المجال العام محلياً، ونجاحها في تذويب بعض الحساسية الاجتماعية حيال بعض الموضوعات، وتمثيلها سجلاً بديلاً في توثيق بعض ملامح المرحلة الاجتماعية.

بينما تضمن القسم الثاني من الكتاب ثماني قراءات نقدية لروايات سبق نشرها في أماكن متفرقة، جاءت تحت العناوين التالية: "هند والعسكر: رواية من قهوة"، و"الجنية: ابتكار سردي أم محاولة متعثرة لذلك"، و"الواد والعم: رواية أخرى متواضعة"، و"نساء المنكر: خطبة رديئة"، و"الهدام: حكاية نجدية"، و"تجربة عبدون: رواية عامية لكن حديثة"، و"بنات الرياض: بعد العاصفة"، و"شارع العطايف: رواية للنسيان".