لا شك أن مسافة حرية الإعلام في دولتين متجاورتين عربيتين مثل لبنان وسورية مثلا، تقترب من السنة الضوئية، لأن كل شيء يمكن تصديره بين الأشقاء العرب، والأصح "تهريبه" عبر الحدود، سوى اللسان والقلم، فهما من الموبقات الكبيرة التي تتعامل معها الأنظمة العربية على أنها مرض معدٍ جدا، قد يفتك بالبلاد و"زعيمها" في لحظات، إن لم يتم التعامل معه فورا بالبتر والاستئصال!

وفي حوارات كثيرة نقرأ ونسمع أن تطور مساحة الحرية الإعلامية في لبنان أتت لأنه بلد له "ظروفه الخاصة"، ومع ذلك لا يُفصل أي من المتحدثين هذه الظروف الخاصة ولا ما وراءها. وإذا نظرنا إلى ما تقدمه الكثير من الفضائيات اللبنانية نجد أنها تتسابق على إنتاج برامج لا توجد بتاتا في قنوات عربية أخرى، وهي برامج الفكاهة السياسية ـ إن صح التعبير ـ على غرار برنامج "بس.. مات وطن" و"دمى قراطية" اللذين تقدمهما قناة (LBC). فبعد نجاح "بس مات وطن" خلال السنوات المنصرمة داخل لبنان وخارجه، ظهرت برامج أخرى تحاول منافسته في قنوات لبنانية مختلفة مثل "قربت تنحل" على قناة "الجديد".

النقطة الأهم هنا أن "الظروف الخاصة" للبنان كبلد، تظهر بوضوح في هذه البرامج السياسية المغلفة بالفكاهة والترفيه، حيث تحولت إلى إحدى أهم وسائل السخرية من المنافس السياسي سواء الطائفي أو الاثني، فبدلا من أن يتوجه جنبلاط أو عون أو نصرالله مثلا لشتم سعد الحريري مباشرة يتم الإيعاز للممثل المقنع (بوجه الحريري) وملابسه بأداء المهمة بكل أريحية، والعكس صحيح فقد تم توظيف البرنامج في انتقاد معظم الشخصيات السياسية تقريبا، ولكن ضمن ظروف التوازن السياسي، وأحيانا مع الأقوى ضد الأضعف مرحليا وطائفيا. فالملاحظ أن هذا البرنامج وما يشبهه في قنوات أخرى، تحولت جميعها إلى أدوات لتصفية الحسابات السياسية والطائفية بين القوى اللبنانية المختلفة، لتخرج في كثير من الأحيان ـ خصوصا في الفترة الأخيرة ـ من إطارها النقدي الهادف إلى إطار اللعبة السياسية، وهو ما تنأى عنه مثيلاتها الغربية التي تتناول جميع السياسيين بحيادية كبيرة. فلو حافظت هذه البرامج وفي مقدمتها "بس.. مات وطن" على خط متوازن بين الجميع وعدم الانحياز لطرف ضد آخر لكانت بحق نموذجا عربيا فريدا.