يأتي العيد ونحن في حال مختلف. المسلمون في كل أنحاء العالم يشكون الحال. يعيشون في أفقر دول العالم حسب إحصائيات البنك الدولي. تفتقد دولهم الخدمات والبنى الأساسية. الخدمات الصحية لا تتوفر إلا لعدد محدود من السكان. التعليم يتوافر لكنه دون المستوى الذي يحتاجه مواطن القرن الحادي والعشرين. يستمر التضخم السكاني في الدول الإسلامية في دول لا تستطيع أن توفر المتطلبات الأساسية للمواطن.

إندونيسيا أكبر دول العالم الإسلامي تعداداً ترزح تحت كم هائل من الديون. كما تتأثر سوقها بانخفاض سعر "الروبيه" وانخفاض شديد في سوق الأسهم. تنتشر فيها الجريمة وانعدام الثقة بين المواطن ورجل الأمن. تعتبر نسبة الإبلاغ عن الجرائم الأدنى حيث يتم الإبلاغ عن أقل من 30% من الجرائم. يتأخر ترتيبها كل سنة في مستوى معيشة المواطن. بعد التسونامي الذي ضرب البلاد قبل ما يقارب ثماني سنوات، ما تزال أكثر مناطق الدولة تعاني آثار هذه الكارثة. هذا مع التأكيد على أن الجهد الأكبر كان لدول أوروبية وجمعيات الهلال والصليب الأحمر والأمم المتحدة.

باكستان وأفغانستان تقعان تحت تأثير الحروب الداخلية بين عصابات متشددة ومليشيات كل منها يحاول أن يدمر الآخر. تصرف الدولتان أغلب ميزانيتيهما على التسلح والتعامل مع الجماعات المسلحة والتهديد الذي يمثله خلاف على الحدود خلفه الاستعمار. تمثل الدولتان عنواناً لما يمكن أن يحدث في مواقع أخرى من العالم الإسلامي، عندما تحاول كل جهة أن تفرض أفكارها وأجندتها على كل الدولة بالقوة والتفجير والتدمير الذي يطال الكل ولا يستثني إلا الرؤوس الكبيرة التي تتعامل مع عناصرها على أساس أنها مشاريع انتحاريين لتحقيق إرغام الكل بقبول فكرة أنني أنا الوحيد الذي لي الحق في التفكير والتخطيط والقيادة، وكل من يعارضني لا بد أن يصفى.

الكل يرى أن الخليج العربي هو مكمن الذهب. وعلى هذا الأساس تعمل السياسة والاستراتيجية المعادية على دعم اشتعاله وانشغال دوله بالحروب مع المحيطين به، حتى وإن كانت حروبا أيديولوجية. الحرب لتحقيق سيطرة الفكرة لم تتحول إلى حرب فعلية, إلا أن الملاحظ في توجهات السياسة الدولية أنها تعمل على ضمان وجود هاجس الخوف بين جميع ضفاف الخليج. هذا الخوف يدفع الجميع للتسلح.

يأتي الجرح السوري ليكون مثالاً على الهاوية التي يمكن أن تنحدر إليها مقدرات وإمكانات وكرامة الأمة. هذه المصيبة التي أصابت قلب الدولة الأموية. القتل والترويع والإهانات والإذلال والاغتصاب والاحتجاز غير القانوني. تقطيع الجثث والمقابر الجماعية ودك المنازل بمدافع الدبابات. تدمير المساجد واحتجاز وإذلال المصلين هو القاع الذي يوضح كيف يمكن أن تتحول الدولة إلى سجن كبير يحارب فيه الله ودينه وسنة نبيه. أمر لم يتجرأ على فعله أكبر أعداء الإسلام. هو ناقوس ينذر بخطر على الأمة كلها إذا استمرت صامتة لا ترى ولا تسمع ولا تتكلم.

مصر أكبر الدول العربية التي استوصى بها الرسول صلى الله عليه وسلم صحابته خيراً. مصر الحضارة والعلوم والآداب. مصر اليوم في حالة من عدم التوازن تمنعها من ممارسة دورها المأمول. حالة جعلت كل من هب ودب يطالب ويسيطر على قرارات الدولة ومصيرها. مصر اليوم دخلت نفقاً لم تر النور في آخره، إن كان هناك نور!. مصر تخسر اقتصادياً وتخسر سياسياً، إلا أن خسارتها الكبرى هي في وحدتها الوطنية. يعجب الواحد منا حين يسمع الاتهامات التي يوجهها كل طرف وحزب لمخالفي نهجه وأسلوب رؤيته للأمور. وهو أمر يخيف كل من يحب مصر ويتمنى لها مستقبلاً آمناً مستقراً.

ليبيا، ضحية فكر رجل آثر أن يبقى حتى ولو على جثث الشعب كله. رجل حوَّل دولة نفطية إلى مجموعة من الكانتونات التي بالكاد يعيش أهلها، وهو وأسرته يملكون العقارات والأسهم والشركات في كل دول العالم. يحاول مجلسها الانتقالي أن يعيد بناءها، لكن أهم دعم يحتاجه المجلس هو من الأمة العربية والإسلامية. السبب الجوهري لأهمية دعم الأشقاء لليبيا، هو أن ما يعرضه الغرب على الدولة الناشئة يدعو للريبة والتخوف من مستقبل يضع الدولة رهينة بيد السياسة الغربية.

الخلافات في كل دول المغرب العربي حدودية وفكرية. يدعم أصحاب المصالح إذكاء الخلافات والاستفادة المادية والسياسية منها. تستمر هذه الخلافات في زعزعة الثقة وإزاحة المشتركات التي تجمع هذه الدول ومواطنيها. ينظر كل الساسة في هذه الدول إلى بعضهم بريبة وكراهية ليستمر مسلسل الخوف والعداء الذي جعل الجميع يقفلون حدودهم ويمنعون المواطنين من الاحتكاك ببعضهم رغم التاريخ والدين واللغة المشتركات.

أيها العيد أقبلت وحاضرنا يتمنى ماضينا. عدت ونحن بحال لا يسر الصديق. فإلى متى نرجع إلى الوراء، أما آن لنا أن نعود لرشدنا ونصلح حالنا؟! اللهم عجل بذلك اليوم.