هل يمكن تحقيق التنمية مع وجود تكتلات عنصرية ومناطقية؟ قد يأتي بعضهم وينفي وجود هذه التكتلات أصلاً، أوأن يأتي أحدهم ويتحجج بأنه يجب المحافظة على إرث القبيلة أو تاريخ العائلة، أو حتى المحافظة على تراث منطقة تاريخية في المملكة. لن يعارض أحد الاهتمام بالتراث وتعزيز قيمة الآثار أو تاريخ القبائل والعوائل في نفوس الجيل الجديد، لكن ما يحدث هو مختلف تماماً. العنصرية أولاً.

على شبكة الإنترنت، نقل المهتمون بتاريخ الأسر والمناطق مفهموم شجرة العائلة، ليصبح منتدى إلكترونيا تكون فيه شجرة العائلة الأساس، لكن الإشكالية هي في الفروع التي تفرعت من هذه الفكرة الخلاقة، وهي أن المواقع العائلية والقبلية على الإنترنت تحولت إلى طعن وتنقيص من قيمة الأسرالمشتركة في نفس الاسم، أو محاولة تعزيز قوة فخذ من أفخاذ القبيلة على الآخر. وهنا تأتي النقطة المضحكة، أن العنصرية ليست منحصرة على شكل عنصرية مناطقية فقط تقابلها عنصرية مضادة، بل هناك عنصريات أقل داخل القبائل نفسها، وبدلاً من استخدام التقنية لتوثيق تراث القبائل، تفرعت الأفخاذ إلى أفخاذ، ومن يزور المنتديات القبلية على شبكة الإنترنت، فإنه يتذكر الإعلانات التجارية القديمة لأفخاذ دجاج "ساديا" حين تتحدث الأفخاذ وتضيع الدجاجة.

أستطيع تشبيه هذه المواقع المتفرعة والمتعددة والمتناحرة كمزايين إبل إلكترونية، لكنها لا تبحث عن الجمال، بل عن التشويه المتعمد لبعضها . ومن المفترض أن يكون هناك تنظيم سواءً من دارة الملك عبدالعزيز، أو من الجهات ذات العلاقة بحفظ التراث والتاريخ بتنظيم المنتديات القبلية على شبكة الإنترنت، وجعلها مجتمعة في منتدى واحد لكل قبيلة، حتى لا تنتقل العنصرية فجأة إلى داخل كل بيت ضد بيت مجاور له، وتصبح الأسر قابلة لاستنشاق العنصرية كما تستنشق الهواء.

صناعة الوعي هو ما يغيب عن المشهد التنموي السعودي حالياً. صناعة الوعي أهم من بناء المباني وافتتاح المشاريع، وحين يصنع الوعي ننتقل لما بعده. وإذا كان لا بد من عملية توازي بين صناعة الوعي في جانب بناء الإنسان وإعمار الأرض، فإن العنصرية المقيتة التي انتقلت إلى شبكة الإنترنت من خلال المنتديات القبلية المتضادة والمتناحرة ستغيب فئة كبيرة من المجتمع عن أن تشارك في صناعة النهضة والتنمية، لأنها منشغلة بـ"فخذنا أزين من فخذكم"!