يبدو أن بعض الشعوب العربية ستتظاهر طويلاً حتى يأتي الإصلاح المنتظر؛ فالوقت دائماً غير مناسب لهذا الإصلاح اللعين، وربما ستتهم بعض الأنظمة بالخوف من الجماهير إن هي فعلت شيئاً جيداً هذه الأيام، ولذلك تكتفي حالياً بقتل الأطفال، واختراع المبررات من مؤامرات وغيرها؛ لعل ذلك يصرف الأنظار عن المشكلة الرئيسية التي تعاني منها، وهي انتهاء الصلاحية وقرف الشعوب..

هذه الأنظمة التي تدعي الديموقراطية، تخاف إن أصلحت أن يعتقد المواطنون السذج أن العملية سهلة ولا تحتاج لأكثر من إرادة فيدمنون المطالبة بالإصلاح في كل وقت، ولعل أكثر ما تخشاه تلك الأنظمة الموقرة أن تتحول المطالبة بالإصلاح / التغيير إلى ثقافة عامة يوسوس بها كل مواطن بينه وبين نفسه، وهي حريصة جداً على عدم تغيير ثقافة الشعب؛ بعد أن رسختها قمعاً وطغياناً لعقود طويلة، وسيكون من التفريط وربما الضياع أن تتساهل مع أي شيء يخدش تلك الثقافة المعصومة؛ فهي المسؤولة بالطبع عن الشعب وثقافته وأكله وشربه وتقليم أظافره.

تخيلوا فقط أن يذهب مواطن "معتر" إلى الحلاق دون إذن مسبق، وأن يقوم بقص شعره على هواه، أو أن يفتح كشك سجائر دون مباركة حكومية وكم توقيع وختم وترخيص، أو أن تصل به الوقاحة إلى درجة المطالبة بحقه في المال العام، وهذه الأخيرة وحدها كارثة، وفوضى وإخلال بالنظام، وتجاوز غير محسوب للخطوط الحمراء، ولو تُرك كل مواطن / موسوس يفعل ما يريد ويحلم بطريقته؛ لضاعت هيبة الدولة التي هي أهم من الإنسان في بعض بلدان العالم العربي.

إذن الإصلاح هو أكذوبة إمبريالية كبرى كما تقول بعض الأنظمة، ومؤامرة على مقدرات الأمة. ولماذا الإصلاح أصلاً؟ نحن بخير يا سادة وأفضل من غيرنا بكثير؛ أقراص البندول والضغط والسكر متوفرة ولله الحمد، والفضائيات (على قفا من يشيل) وبالمجان، وجرار الفول في كل مدينة عربية؛ فقط ثقوا بالحكومات ودعوكم من أمور الحريات والديموقراطيات المستوردة، وحقوق الإنسان؛ فهذه مصطلحات عفا عليها الزمن، وهي مطالب وافدة ومغرضة تقف وراءها إسرائيل دون شك، وهي تريد بكم شراً كما تعلمون.. المواطن العربي يعيش بحرية تامة، ولن تسأله الحكومة عن تحديد النسل، أو نوعية الشامبو الذي يستخدمه، أو طقم الملاعق الذي يزين مطبخ المدام. حتى إن المرات التي يقترض فيها المواطن من جاره المواطن آخر كل شهر؛ تعتبر أموراً شخصية جداً لا يحق للحكومة أن تتدخل فيها؛ لأنها تقدر بحكمتها أنها شؤون بين الجيران لا يصح نبشها، ولا حتى معرفة أسبابها، وهذه قمة الحرية واحترام الخصوصية.

يا سادة يا محترمين! هل تعلمون ــ مثلاً ـ أن الصين وهي دولة عظمى؛ تُلزم مواطنيها بتحديد النسل، ونحن لا نفعل ذلك! فبالله عليكم ألسنا أفضل من الصين؟ نعم نحن أفضل بالتأكيد، ومن يقول غير ذلك فهو عميل ومندس، وكافر بتعاليم القيادة. عموماً حتى أوروبا لا تساوي معنا شيئاً بدليل: أنها لم تكتشف فوائد المعسل حتى الآن؛ بل نحن الذين سبقناها بمعرفة فوائده، ولذلك لا يوجد حالياً رأس معسل واحد، أوأرجيلة واحدة في أي مكان في العالم دون أن تكون عربية الصنع والمنشأ، ونحن نعمل حالياً على تطوير هذا المنتج القومي الفخم والمهم! وهذا المزاج العالي له من يقدره حتماً، ويشكرنا على الريادة فيه، ومع ذلك فهذا الغرب يكرهنا لدرجة التحذير المستمر من معسلنا العربي؛ زاعماً أنه فواكه مخمرة غير قابلة للاستخدام الآدمي! أرأيتم مدى الحقد والضغينة، فلماذا تطالبون بالإصلاح بعد كل هذه الأدلة الدامغة على أننا الأفضل؟ ولماذا هذه الوسوسة الشعبية التي لم نعهدها في آبائكم الأولين أيها العرب؟ أما المال العام الذي تتحدثون عنه ( فيادوب) يغطي المصروفات؛ فبلاد العرب فقيرة جداً كما تعلمون، لا ماء، ولا طعام، عودوا لرشدكم فنحن الأفضل، واتركوا الوسوسة والموسوسين.